الخميس، 15 سبتمبر 2016

مذكرات مدرسة الحسن الاول/الجزء الثالث

بدءا من المتوسط الأول (الرابع)،ستتحول المدرسة بالنسبة لي، و لأقراني،الى سجن كبير،ستصبح دروس الحسابtable de multiplication أكثر تعقيدا،و دروس الفرنسية أكثر غموضا،العمليات الحسابية التي كانت بسيطة و في متناول فهمنا في الأقسام الأولى،تعقدت حين انضافت اليها عمليات الضرب والقسمة،،كنت اتساءل لماذا سميت العمليات الحسابية بجدول الضرب،وليس الطرح او الجمع،أو القسمة؟في البداية حرت جوابا،لكن بعد أن  أصابني،في عمليات الضرب، ما أصاب الطبل يوم العيد،أدركت الحقيقة،و فهمت السبب،كان عليهم تسميتها بعمليات الضرب المبرح،كل الدفاتر مزينة،على الواجهة فهد يحتضن كرة،شبيهة بكرة ارضية،تتقاطع عليها خطوط ،وعلى ظهرها جداول حسابية،،الأغلفة الحمراء التي يحلو للمعلمين اختيارها لدفتر الحساب ترعبنا،،حاولت مرارا حفظ جدول الضرب،لكني في كل مرة كنت أفشل،الفشل كان ذريعا،و الضرب مؤلمًا،،أذكر أننا كنّا نتهيأ لحصة الفرنسية،للحساب العسير الذي ينتظرنا،بتسخين أيدينا،و تدفئتها،ترقبا للأسوإ،كنّا نوقد النار في أيام البرد،خلف المدرسة،نمد أيدينا طلبا للدفء،احيانا نكتفي،بحكها مع بعض،أو وضعها تحت الإبط،،كلها استعدادات  لتخفيف الضرب الذي سينالها حتما ، الأمر يزداد سوءا،حين تكون أيدينا متشققة بفعل البرد القارص،تتحول التشققات على ظاهر اليد الى جروح دامية،،تجعل الكتابة مؤلمة،أي تقلص جعل التشققات تتسع،تتمدد،،يشتد الألم،كنّا ندهنها بالزيت ،،لاتتوقف معاناتنا،مع انتهاء حصة الحساب،بل تتواصل بشكل أكثر ضراوة مع درس الصرف conjugaison ،بالكاد نحفظ تصريف فعل الى زمن معين،فنفاجأ بالمعلم يطالبنا بأواخر الأفعال les terminaisons،كانت معاناتنا فضيعة مع هذين الدرسين،درس الحساب،و درس الصرف،دروس تُشعرنا برعب حقيقي، تولد فينا إحساسا بكراهية المدرسة،و حقدا دفينا على المعلم،،تنتابني أحاسيس مخيفة،كنت أتخيل ريشة الفرنسية الرقيقة رمحا،أو سيفا،و المحبرة قذيفة،،أطرد هذه الأفكار الشيطانية،،أنظر الى السماء،من نافذة القسم،أتابع سربا من الطيور،يحلق في الفضاء الواسع،اغبطها على حريتها، أحلم أن اكون طائرا،أحلق ،أطير الى أبعد مدى،حيث لا معلم بعصا، لا جدران،لا لوح،لادفتر،لاجدول ضرب،،يعيدني صراخ المعلم  الى الدرس،،أؤجل أحلامي الى حين،أفكر بالهروب ، أشرع في التخطيط للهروب، الهروب الكبير..

ليست هناك تعليقات: