الخميس، 15 سبتمبر 2016

مذكرات مدرسة الحسن الاول /الجزء الأول

أغادر البيت مبكرا،متجها الى المدرسة،وأنا أتأبط محفظتي الجلدية،تقع هذه الأخيرة خارج أسوار المدينة القديمة،نقطع مسافة طويلة للوصول الى الحي الاداري ،في أيام البرد و المطر نسلك دروب الراميقي الضيقة و الملتوية،نمر بسوق سي بالعيد،لنحتمي برصيفيه المسقوفين،و قد نسلك طريقا آخر ،و هو السير بمحاذاة السور القديم،وصولا الى باب لعواينة،ثم نجتاز فضاء خاليا من المباني ،لنصل الى المدرسة،لهذا نتأخر أحيانا،للتأخر عن المدرسة سبب آخر،غير بعد المسافة و التثاقل، كانت هناك آلة كبيرة تستعمل في أعمال البناء،تستخدم لخلط المواد قبل استعمالها ، تركت بعد انتهاء الأشغال مهملة بعد تعطلها قبالة المؤسسة، ظلت هناك  جاثمة لشهور ان لم يكن لسنوات،وكنا نتسابق نحوها،و نتسلق أذرعها الحديدية،و نحن نحاذر من السقوط،كانت لعبة جد مسلية في غياب فضاءات الألعاب،و حينما نفرغ من اللهو على تلك الآلة الحديدية،ننتقل الى لعبة الرماية، كنّا نبتعد عنها  لمسافة معينة،ثم نتخذهاهدفا لحجارتنا،نقوم بقنصها،و نحن نستمتع بوقع و رنين الحجارة و هي تصيبها،رنين أشبه بدق الأجراس، و الويل لمن تضبطه عيون السيد المدير،وهو يتسلقها،او يحوم حولها،فما ينتظره كان قاسيا،و قد تكون تلك الوليمة التي تنتظره في مكتب المدير،آخر عهده بالآلة العجيبة،بل باللهو و اللعب في محيط المدرسة..
كان مدير المدرسة ببدلته العصرية و بطربوشه الأحمر المغربي،يقف بجانب بوابة المدرسة،و هويصرخ  و يصيح بأعلى صوته dépéchez-vous mon vieux،كان يحلو له أن يرددها على مسامعنا،خاصة في الفترة الصباحية،حيث يغلب الكسل و التثاقل على حركتنا، و يغيب النشاط،كنّا لا نزال نغالب النعاس،،كان يرددها ليحثنا على الإسراع و الهرولة للإلتحاق بطوابير التلاميذ،الذين ينتظرون إشارة المعلم لدخول قاعات الدرس، يصل المتأخرون،يقفون خلف الطابور،ثم يدخلون تباعا الى القاعات،بلا رغبة و لارضى، ندخل و نحن نتحسس رؤوسنا و وجوهنا،مخافة أية ضربة طائشة،أو صفعة غاشمة، من المعلم الذي لا تفارقه عصاه، نضرب لسبب غالبا لا نعرفه،حتى باتت المدرسة مرادفة للسجن،و قاعات الدرس مرادفة لغرف التحقيق و التعذيب،وبعض المعلمين لجلادين،يتفننون في ايذائنا،لأتفه الأسباب،لأدنى إشارة او حركة،،بأيادي مرتعشة نفرغ المحفظة الجلدية،من محتوياتها المدرسية،نرتبها على المقعد بعناية فائقة،ترقبا لجولة المعلم بين الصفوف، لمعاينة مدى التزامنا بإحضارها، و وضعها في مكانها..اثناء سيره بين الصفوف،و معاينته لأدواتنا،كانت قلوبنا تخفق،يسمع لها ذوي شبيه بذوي طبول الحرب...

ليست هناك تعليقات: