الجمعة، 16 ديسمبر 2016

ملحقة الحسن الأول/ الحبس سابقا/ الجزء 3 والأخير

مذكرات المدرسة/الحلقة الثالثة/ نشعر و نحن نتجاوز البوابة الحديدية للمدرسة،و كأننا خارجون للتو من السجن، و الحقيقة اننا فعلا كنّا داخل أسوار السجن،قاعة دراسية، أشبه بزنزانة كبيرة، مكتظة بالتلاميذ،أسوار عالية،ساحة ضيقة ،لا يسمح فيها بأي لعب او نشاط،عيون الاداري بعصاه، تراقبنا، و تترصد كل حركاتنا،نحس اثناء الاستراحة،بأننا غادرنا زنزانة ضيقة،الى زنزانة أوسع، مكشوفة ،تنفتح على السماء، لهذا كان الخروج من هذا الجو الكئيب، الذي تخنق فيه أنفاسنا، و تحصى فيه حركاتنا، إيذانا بالحرية،و الانطلاق نحو عالم ارحب، كنّا نطلق سيقاننا للريح،و نركض باقصى سرعة،،نعرج على معصرة لزيت الزيتون،تقع في مدخل زقاق ضيق في درب ايرعمان،رائحة الزيت الطبيعية،تجذبنا،تشدنا اليها،سحر لا يقاوم،ندخل الى المعصرة،نفتح محافظنا، ثم نخرج زادنا من الخبز الحافي،نمده الى العامل المكلف بعصر الزيتون،فيغمسه في حفرة او صهريج صغير،مملوء بالزيت،نشرع في التهامه بشهية كبيرة، ما تبقى منه،نضعه في جيب السروال،او"الفوقية"، و سرعان ما تطفو بقعة الزيت على ملابسنا،لا نكترث للأمر، شيء عاد جدا،،نواصل المسير، ونحن نلهو، ونتقادف بالاشياء،التي نصادفها في الطريق،نصل الوادي، "إيكي واسيف"،ننزل الى مجرى الوادي،به الكثير من نبات السمار،بعيدانه الخضراء الطويلة "أزماي"،من عيدانه تصنع الحصائر،نبات لايجد تربته الخصبة،الا في الوديان ،في المجرى نخيلات هنا و هناك، و الكثير من الأعشاب،نقيق الضفادع يصم الأذان،نضع محافظنا جانبا،نتابع جريان الماء،و هو نيساب،في هدوء و دعة،منحدرا في اتجاه حقول و بساتين "دو تركا"،حيث يسقي أشجار الزيتون،نصنع مراكب ورقية،نتفنن في تجهيزها، بأشرعة، و مجاديف،ثم ننظم سباقا بينها،نركض خلفها و نحن نتصايح،كل واحد منا يحث مركبه على السرعة،تغرق بعضها،فنضحك من أصحابها،بينما يلعن الخاسرون حظهم العاثر،حينما يكون اندفاع الماء قويا،نجد صعوبة في اللحاق بقواربنا و نحن نلهث خلفها،احيانا نكتشف أننا ابتعدنا كثيرا،عن محافظنا،فنعود إدراجنا، و نحن نتقاذف بالماء،ثم نساعد بَعضُنَا البعض في التسلق،و مغادرة الوادي، نغادر و قد ابتلت ملابسنا، مع ذلك نشعر بسعادة لاتوصف،،أحيانا نغير المسار، فنعرج على العين الزرقاء، هناك نخرج عدة الصيد من محافظنا، خيوط رقيقة،صنارة صغيرة،دودة ثم نلقي بها في الحوض المائي الكبير، نتنافس في من سيصطاد اكثر، كانت السمكات صغيرة جدا،نضع ما تم اصطياده،في قارورة او إناء، ثم نواصل طريقنا الى البيت،نصل الى بيوتنا وقد شارفت الشمس على المغيب...   

سينما اومبير أو سينما تاقديمت/الجزء 4 و الأخير

الحلقة الرابعة و الاخيرة من ذاكرة سينما اومبير بتيزنيت.هذه الحلقة من ذاكرة السينما،لم تكن واردة،لكنها جاءت ثمرة،تفاعل القرّاء مع الحلقات السابقة،وجدت في تعليقات الأصدقاء،مادة دسمة لحلقة إضافية،فشكرا لهم،على اغنائهم لهذه التجربة،تجربة توثعيق و تسجيل ذكريات الطفولة٠سأبدأ بعلاقتي بالسينما الهندية،شاهدنا الكثير من الأفلام الهندية،غير ان ذاكرتي،تأبى أن تنسى،فيلما واحدا ظل راسخا،في ذاكرتي، و بكل تأكيد في ذاكرة جيلي، فيلم دوستي اي الصداقة،فيلم تراجيدي حزين،تحولت القاعة اثناء عرضه،الى بيت عزاء،نشيج هنا، و نحيب هناك،بكاء صامت،في زوايا القاعة،الفيلم يحكي قصة ضرير،و أعرج و مريضة،احداث تراجيدية جد مؤثرة،تماسكت نفسي،قبل ان انخرط بدوري في البكاء،حتى الأغاني أضفت على الأحداث ،رداء قاتما من الحزن و الاسى..تلاحقت مشاهد الفيلم،تابعها الجمهور،في صمت،لم يسبوا هذه المرة موستيك،و لا ألقوا بأعقاب السجائر،سحرهم الفيلم بأحداثه التراجيدية،،حينما غادرنا،لم نجرؤ على الحديث الى بَعضنا حتى لاتفضحنا أصواتنا المختنقة،لم نرفع أبصارنا،لتبادل النظرات، كانت العيون حمراء، غارقة في الدموع...ومن المشاهد المألوفة اثناء عرض الأفلام الهندية، أن عشاق هذه السينما، و المهووسين بها، وهم كثر، كانوا يأتون محملين بآلات التسجيل، و التي يضعونها، على منصة العرض، لتسجيل الأغاني الهندية،و التي يحفظونها فيما بعد،رغم عدم فهم معانيها..جنون السينما الهندية وسحرها.أما أفلام الويستيرن،او الكاوبوي،فإن فصل الصيف، وبالتحديد،موسم الدراس،دراس المحاصيل، يبقى فرصة،لركوب الحمير بنفس طريقة رعاة البقرحينما يمتطون خيولهم،فرصة لتجسيد احلامنا الصغيرة،في تقليد ابطال تلك الأفلام.كنا نقضي اليوم كله في مساعدتهم، في عملية الدراس،مع ما تتطلبه العملية من لف و دوران، خلف مجموعة من الحمير، و وسط عاصفة من الغبار،،كانت اقدامنا تغوص في كومة الشعير او القمح الى حد الركب،ما يعيق حركتنا..كان عملا شاقا و ممتعا في آن،نتحمّل ذاك الجهد و العناءتحت أشعة الشمس المحرقة، من أجل السماح لنا بركوب الحميرفي المساء، و التسابق بها،الى أصحابها، و نحن، نقلد أصوات الهنود الحمر، او أصوات طلقات الرصاص ،كان فضاء باب أكلوالشاسع،يسمح بتقمص تلك الأدوار السينمائية،،وحينما اذهب الى قريتنا،يكون همي الاول،البحث عن حمار أو بغل،و ركوبه بنفس الطريقة،لما تحمله من تمثلات سينمائية في مخيلاتنا..من المشاهد الطريفة و الغريبة في قاعة السينما،ان الازدحام، و صعوبة العثور على مقعد،يدفع البعض لاعتلاء منصة العرض، و متابعة الفيلم في وضعية تمدد و استلقاء،حتى لايحجب الرؤية عن المتفرجين،،كان المشهد مضحكا،وحينما ينسى احدهم، ويرفع رأسه، يصبح عرضة، لقصف جوي،بالنعال،او القارورات،او أعقاب السجائر،ناهيك عن الشتائم، عادة قدف المتفرجين بأعقاب السجائر عادة مألوفة في سينما أمبير،خاصة من طرف بعض المشاغبين،الذين يحولون كراسيهم الخلفية، الى منصة لإطلاق هذه السجائر المتقدة،،،الدخول الى السينما لم يكن دائما متاحا،لصعوبة توفير ثمن التذكرة"درهم و30سنتيم"،مبلغ كبير حينها،كنّا نلجأ الى البطاريات الصغيرة ،ننزع قاعدتها،او أسفلها،ندهسها،حتى تحمل شكل و حجم القطع النقدية،ثم نمنحها، للهواري،مستغلين الظلام، بعد أن ندسها في يده،متعمدين اثناء تسليمها، ان تحدث رنينا شبيها بالنقود،،كنّا نغامر،، صفعة من يده، او ركلة من قدمه كفيلة بأن تطوح بأجسادنا الصغيرة، خارج السينما بأمتارعديدة...فيلم آخر ألهب حماسنا، وترك بصمته على مخيلاتنا، فيلم "الوصايا العشر" او فيلم سيدنا موسى،كما نتداوله بيننا، من الاعمال السينمائية التاريخية الضخمة،اذكر اننا شاهدناه اكثر من مرة،فيلم رائع جدا،بفضاءاته التاريخية،والحشد الكبير من الممثلين و الكومبارس..اما أفلام الكراطيه،وخاصة أفلام بروسلي،فكانت تدفع بِنَا الى حركات خطرة،تجعلنا عدوانيين، و نحن نحاول تقليد ابطال تلك الأفلام،رغم ما يشكله هذا التقليد من خطورة علينا، و على محيطنا.انتهى.بقلم :حسن ادحجي.                        

سينما اومبير أو سينما تاقديمت/ الجزء 3

الحلقة الثالثة من سينما اومبيرEmpire/..دامت الاستراحة دقائق،تحولت القاعة السينمائية،الى مطعم شعبي،تصاعدت أدخنة السجائر الرخيصة،ورائحة مخدر الكيف،الذي يدخن في الزوايا المعتمة،واختلطت بروائح ساندويتشات با براهيم ،التي تفوح من كل زاوية من القاعة،اكثر وجباته السريعة،يهيئها من السردين المقلي،او من سمك التون،مع سلاطة الطماطم و البصل،مع الكثير من التوابل،و الفلفل الحار،"لحرور"٠٠انطفأت الاضواء مجددا،وانطلق العرض الثاني،فرغت بعض الكراسي،تسللت الى احدها،بعد أن  استأذنت ،جلست ،شعرت براحة كبيرة،قدماي متعبتان من الوقوف طوال الفيلم الاول،ظللت ابتهل الى الله،ألا يعود صاحب المقعد،كان الفيلم من نوع رعاة البقرCowboy،ماكاد الفيلم يبدأ حتى شرع شخص يجلس خلفي،في سرد احداث الفيلم على رفيقه،كنت أتلقى الأحداث سماعا، قبل ان تظهر على الشاشة،انزعجت كثيرا،تساءلت كيف يقبل ذاك المعتوه، ان يقص عليه رفيقه احداث الفيلم،بينما تقوم الشاشة بالمهمة ؟ضاع بعض التشويق و الإثارة بسبب هذين الجليسين الثقيلين،تدور وقائع الفيلم في بيئة صحراوية قاحلة،مطاردة رعاة البقر،بزيهم المعروف،خاصة قبعاتهم الشمسية الكبيرة،تتدلى من خاصرتهم مسدسات ،يمتطون صهوة خيول قوية،تركض باقصى سرعة،كانوا يطاردون هنودا حمرا،لم تكن المعركة متكافئة،مسدسات وبنادق، في مواجهة،أقواس، و سهام و رماح٠٠كنا نصفق لرعاة البقر، و هم يسحقون الهنود الحمر،ظللنا نعتبرهم همجا و متوحشين،هكذا علمتنا السينما الامريكية،لم نتعاطف يوما معهم٠٠عندما كبرنا، اكتشفنا الحقيقة، كنّا مخدوعين...استمر العرض،وسط الضجيج ،،ضحكات الحاضرين،و تصفيقاتهم لبعض العروض،تنبيهات و تحذيرات لبطل الفيلم،من داخل القاعة..كان الهنود الحمر يتساقطون كالذباب..او يلوذون بالفرار،و هم يطلقون صيحات..ينسحبون من المعركة، فالبطل الامريكي شخصية لاتقهر،تمثل القانون، الخير و النظام،بينما الآخرون،مطلوبون للعدالة،عدالة الانسان الأبيض ،هم اشرار و وحوش يجب سحقهم، وتعليمهم الحضارة،،انها الصورة النمطية لأفلام الويستيرن...انتهى العرض،غادرنا القاعة،البعض خرج من الباب الخلفي المؤدي للملاح،عادة هذا الباب لايفتح الا للزبناء و المقربين من مستخدمي القاعة،و حينما استقبلنا الفضاء الخارجي،احتجنا لبعض الوقت لاستعادة علاقتنا بالمكان،كنّا نحلق في السحاب، كنّا لانزال تحت تأثير اجواء السينما،يستمر الوضع دقائق،تطول او تقصر،حسب قوة الفيلم..شيئا فشيئا نبدأ في استعادة وعينا بالمكان، استعادة قاسية و مؤلمة،نعود الى دروبنا الضيقة، و الشاحبة،الى عالمنا الضيق و الصغير،الذي لايتعدى،حدود الحي الذي نسكن فيه،حي الراميقي تحديدا...في الغد كان علينا أن نصنع فرجتنا،ان نصنعها بإمكانياتنا البسيطة،العودة الى السينما،سيحتاج الى وقت أطول،و تضحيات مادية لا نملكها،،في اليوم الموالي، كان علينا أن نصنع خيولنا،من القصب،و مسدساتنا من الخشب،ثم نحول ساحة الحي الى ميدان معركة، بين رعاة البقر و الهنود الحمر...

سينما اومبير أو السينما تاقديمت/ الجزء 2

سينما اومبير او سينما تاقديمت بتيزنيت "الحلقة الثانية"

٠٠٠استمر التدافع،و الازدحام،لبعض الوقت،تعالت الصيحات،تمزقت ملابس بعض الرواد،تطايرت الأزرار،الحقيقة ان بوابة، السينما، و ممرها الضيق، ساهما في هذا الوضع المشحون،القاعة تقع في حي شعبي بالمدينة القديمة،في زقاق لايتسع لكل هذا الحشد٠انتظرنا حتى خُف الازدحام، تجاوزت بوابة السينما، اقتربت من شباك التذاكر، لنقل شباكا تجاوزا، كوة صغيرة، يطل منها "باحسن"كنّا نسميه باحسن بوتخليلت،صاحب مزاج عكر، عصبي المزاج،دائم الانفعال،سلمته النقود،بيد مرتعشة، سألني بانفعال:بالكون ولا اوركسترا؟لم أفهم شيئا من كلامه، قلت اريد الدخول الى السينما..أعاد السؤال بحدة هذه المرة،لأول مرة أسمع بالكلمتين الغريبتين،فكرت،حرت جوابا،لعنت جهلي بالثقافة السينمائية،أنا سليل الثقافة الشعبية، ثقافة فن الحلقة تحديدا،قلت في نفسي،ربما يسألني،هل اشاهد الفيلم الأول ام الثاني؟توكلت على الله،أجبته و أنا أداري خجلي : هما معا، الأول و الثاني..زعق في وجهي،تمتم بكلمات غاضبة،سلمني ورقة زرقاء صغيرة،غادرت الشباك اللعين،و أنا سعيد بالغنيمة،ورقة صغيرة،لكنها ستحملني الى عالم آخر،شكل دوما حلما كبيرا لي،،بدت التذكرة في يدي،أشبه بجواز سفر،أو تأشيرة دخول الى عوالم جديدة،، في انتظار ان يخف الزحام،عند بوابة الدخول الى قاعة العرض،سألت شخصا بجانبي عن البالكون،و الاوركيسترا،أجابني،الكراسي العلوية، و الكراسي السفلية،أضاف هما كلمتان فرنسيتان،لعنت جهلي،بالكاد حفظت الدرس الاول من كتاب الفرنسية،للابتدائي الثاني Jolie Mina Miki..،امضيت أوقاتا ممتعة،اتسلى بالنظر الى ملصقات كبيرة،للأفلام، كانت تزين جدران بهو السينما،ملصقات عملاقة لكبار الممثلين العالميين،بعض الصور اباحية،بها مشاهد ساخنة٠٠صور صادمة،خادشة للحياء،خاصة بالنسبة لأطفال،يقتحمون السينما لأول مرة، احتكاك بالجسد الآخر في عريه٠٠تقدمت نحو بوابة قاعة العرض،يقف "الهواري"بقامته الفارعة،تسلم مني الورقة،منحني،نصفها، و احتفظ بالنصف الآخر،دخلت،أتحسس موضع قدمي في الظلام،كان الفيلم،قد بدأ منذ دقائق، القاعة أشبه بحمام، فرن حقيقي،لم يكن هناك لا الطابق العلوي، ولا السفلي،اللعنة على بوتخليلت،القاعة أشبه بمنحدر خطير،المقاعد الخلفية تبدو وثيرة،تشرف على القاعة،ربما تسمح بمشاهدة أفضل،كنت اتصبب عرقا بفعل الازدحام،بالكاد عثرت على موطئ قدم في الممر،شاشة عملاقة،تصدر منها أصوات تهتز لها جدران القاعة،ظللت للحظات مشدوها،في حالة من الدهشة و الانبهار،سحر الشاشة لايقاوم،،موقعي لم يكن يسمح بمتابعة مريحة للفيلم البوليسي، لكن،شعرت بالسعادة تغمرني و انا اتابع مشاهد الفيلم لأول مرة في حياتي..فجأة،و دون سابق إنذار،انطلق صفير حاد،من كل جنبات القاعة،تعالت الصيحات،تطايرت الشتائم ٠٠اذكر منها: العور، العرج، أبيضار، ابوكاض،،توالت اللعنات،والشتائم ،طالت الأب و الام،والجد،و النسب كله..سألت في ذهول،شخصا بجانبي،عما حدث،قال:ألم تلاحظ،أنه حذف مشهدا من الفيلم،أجمل مشهد!!،سألته في غباء،ماذا في المشهد المحذوف؟نظر الي،قال،لن تفهم شيئا،،ثم تابع الصفير و السب،،سألت آخر،من يسبون بهذا الشكل الهيستيري،أجابني، "موستيك"، و من غيره، إنه يتصرف معنا دائما، بهذه الطريقة،يحذف اجمل المشاهد، و الصور٠٠عرفت فيما بعد أن موستيك هذا، هو المكلف بتشغيل آلة العرض،لا نكاد نراه إلا نادرا، يظل يلازم غرفة الغرض لا يغادرها،مسكين،يظل يشتم و يسب،دون أن يجرؤ على مغادرة غرفته،للرد، او تقديم توضيح، هل كان ساديا؟يستمتع بتعذيب الرواد، برؤية المتفرجين،و هم في حالة غضب و هيجان،لا تهمه الشتائم التي تطاله و تطال أصله و فصله..كنت أتخيّله بمقص كبير من النوع الذي تجزبه صوف الأغنام، و هو يقطع الشريط، نكاية في من يسبونه.توالت مشاهد الفيلم،لازلت اذكرأن بطل الفيلم أو الولد كما كنّا نسميه هو الممثل الشهير Roger Moore،عرفت اسمه فيما بعد،في السلسلة التليفزيونية الشهيرة، الرجل الصالح Le saint ٠تتابعت المشاهد،بين تصفيق و احتجاج،التصفيق كلما هزم لولد خصومه الاشرار،كانت التحذيرات تأتيه من داخل القاعة،لتنبهه   كلما كان هناك خطر يحدق به،بعض المتفرجين،اندمجوا في الأحداث، الى حد الذوبان،اشعر بهم،وكأنهم في قلب الحدث،اما الاحتجاج،فيصدر كلما فطن المتفرجون،ان حذفا قد حدث ٠انتهى الشريط الاول ،على وقع الاحتجاج،على الاقتطاعات المتتالية،،أشتعلت أضواء القاعة،استراحةEntracte لدقائق،غادر البعض،لإحضار ساندويتش،من "بإبراهيم الملقب ب لاباندرابا،صاحب البشرة السمراء،بعربته المدفوعة،الشهير بوجباته،الخفيفةوالرخيصة،شخص طيب،دائم البشاشة،لاتكاد تفارقه ابتسامته،صاحب نكات،لسنوات و هو يركن عربته،في زاوية قرب السينما،هو جزء من ذاكرتنا، و ذاكرة سينما اومبير٠٠

سينما اومبير أو السينما تاقديمت/ الجزء 1

الحلقة الاولى من ذاكرة سينما اومبير أو سينما تاقديمت بتيزنيت ،بعد مرحلة القوافل السينمائية،او سينما الشارع،حصلت طفرة مهمة في علاقتنا بالسينما، كقاعة، و فضاء تؤثته الكثير من الاشياء٠لا أذكر بالضبط متى بدأت علاقتي بالسينما، كل ما أذكره،أن ولوجي لقاعة العرض،ارتبط في ذاكرتي بيوم عيد،حيث يجود علي أبي،بدرهمين ،مبلغ يشكل حينها ثروة لأبناء جيلي،مبلغ يكفي لحجز تذكرة السينما،و ملء جيوبنا بحلويات،دائرية الشكل،بأحجام كبيرة و صغيرة، نسميها "فانيد المكانة"،لأن على احد وجهيها رسمت ساعة٠في ذاك اليوم،تخلصنا من الملابس البالية،الباهتة الألوان،من كثرة الاستعمال،و التي تم رتق ثقوبها، اكثر من مرة٠٠٠تخلصنا منها،لنضع بدلا منها،ملابس جديدة،قميص،سروال، وحذاء جديد، وكنا نتعمد ترك قطعة الكارتون،المتبتة خلف سراويلنا،و التي تحمل عادة،الاسم، الحجم، و العلامة التجارية،،ندعها،لكي يعرف الجميع،ان الملابس تم اقتناؤها للتو، ولم تستعمل بعد، و اذكر ان البطاقة اللاصقة بالسروال،تحمل مطرقة،علامة الجودة حينها٠٠لا أستطيع الآن ان أصف لكم مبلغ سعادتنا الغامرة، و نحن ننتعل حذاءا جديدا، لا نكاد نصدق اننا تخلصنا اخيراً من صندلة لعينة بلاستيكية بيضاء أو شفافة ،ظلت تلازمنا،هي رفيقتنا،في المدرسة،في الأزقة،في ملاعب الكرة،الترابيةو الصخرية،و كثيرا ما أدمت الحجارة أصابعنا الصغيرة،كلما أطلت من ثقوبها المتعددة،فتحاتها الكثيرة،لا تكاد تخفي اقدامنا،بحيث يسهل تسلل،الحجارة الصغيرة،مما يزعجنا٠في أيام البرد،تكون معاناتنا أشد،لذا نضطر لوضع جوارب،كان المشهد مضحكا،جوارب تحت صندلة!!للحذاء الجديد نكهة خاصة، يعطينا إحساسا بالعظمة، والكبرياء،نشعر أننا كبرنا قبل الأوان،كنا نمشي مزهوين الى السينما،و نحن نتجنب الحصى، و الأماكن المتربة، فالحذاء،سيعود الى علبته مساء،و سيختفي عن انظارنا،وسيصبح أثرا بعد عين،الى ان يحل العيد الموالي،هي صحبة إذن،ليوم واحد لا أكثر٠٠أصل الى السينما،مع ثلة من أصدقائي،في دقائق،كنّا محظوظين،لأننا نسكن قريبا منها،تقع السينما على بعد خطوات فقط من حي الراميقي،يستقبلنا مكبرصوت القاعة،و هويصدح بموسيقى غربية،غالبا موسيقى المجموعة الغنائية الشهيرة،BoneyM، موسيقى رائعة،كلما أنصت اليها الآن،إلا و ذكرتني بتلك الأيام الخوالي٠حشد المنتظرين كبير،فاليوم يوم عيد، انها فرصة الأغلبية،لدخول السينما، و ربما لن تتاح الفرصة، الا بعد مرور وقت طويل،لم يكن هناك طابور،بل حشد كبير،ازدحام شديد،على بوابة السينما الضيقة،على لوح متبت بالجدار،ملصقان اشهاريان كبيران للفيلمين المعروضين، أسفله مباشرة،صور صغيرة،لمشاهد من الفيلمين،أحدهما،من نوع رعاة البقرCowBoy،الثاني فيلم بوليسيEspionnage،الفرجة مضمونة بكل تأكيد،اختيارات العيد دائما مميزة،تختفي أفلام الكراطيه،و الأفلام الهندية،لتحل محلها أفلام عالمية رائعة٠٠إنها هدايا العيد، دقائق من الانتظار، ثم انفتح باب واحد،أطل "باحسن"، ليتأكد من الحضور،و يقيم الوضع، تلك عادته طوال سنوات،فجأة،انفتح البابان،اندفع الجميع نحومدخل السينما،حدث تدافع شديد،لا مكان فيه للصغار،والنحيفين، الغلبة للأقوياء،زحف البعض فوق الرؤوس،تعالت الصيحات،ترافقت مع وابل من الشتائم،المتطايرة،بقينا نحن،الصغار،مسمرين في مكاننا،خفنا على أنفسنا،خفنا أكثر على أحذيتنا الجديدة،بعد أن بدت لنا الكثير منها،وسط الزحام، بعد أن ضيعها اصحابها٠٠٠

ملحقة الحسن الأول/ الحبس سابقا الجزء 2

ندخل الى الحبس/المدرسة،نقف في طابور امام القسم،مثنى مثنى نلج القسم، لا اذكر اننا دخلنا دفعة واحدة، او دخلنا في فوضى، او في تدافع،طابور مستقيم،الصغار في المقدمة،والكبار في الخلف على شكل مدرج،، هكذا علمنا سي العمراني الذي يدير الملحقة، انه مستعد في كل لحظة و حين للتدخل،لتقويم اي اعوجاج في الصف،لازلت أذكر أنه يستعمل يسراه،اكثر من يمناه،و العصا لاتفارق يده اليسرى، يرتدي جِلْبابا معظم الوقت،صارم ، يحب النظام و الانتظام.أما المعلم فهو سي الخياطي،كان قصير القامة،مواظبا على ارتداء وزرة زرقاء،او رمادية،طيب،هادئ..تتوالى الدروس،بين درس في القراءة،و درس في الخط،او الحساب،او القرآن الكريم..على المقعد،في اعلى الزاوية اليمنى، و اليسرى،ثقبان دائريان،لوضع المحبرة، التي يملؤها المعلم بالمداد،ثم نغمس فيها الريشة اثناء الكتابة،مع استعمال منشفة،تحت أيدينا اثناء الكتابة،مخافة سقوط اي مداد على الدفتر،،اكثر ما نرتاح له،هو دروس القراءة، بنصوصها الشيقة و الممتعة، و صورها الملونة، التي تثير فينا الكثير من التمثلات و الصور و الأخيلة.من الذكريات التي لاتزال عالقة في ذاكرتي عن هذه المدرسة،قيام المعلم،بإخراج أنبوب صغير، من علبة صفراء،ثم شروعه في الطواف علينا،كأي ممرض لوضع مرهم اصفر في عينينا الاثنتين،قائلا انه سيخلصنا من أمراض العيون،وينظفها، مما يعلق بها من غبار،او جراثيم،،بالكاد نفتح عينينا،ينزعج احيانا من الخوف الذي يصيبنا،واحيانا يخطئ،فيضع في عيني احدنا،مرهما اكثر، فيبدو المنظر مقرفا،فكنا نكتم ضحكاتنا من المشهد،كنا نحتاج لبعض الوقت،لتزول تلك الغشاوة عن اعيننا، و التي تحجب الرؤية عنا،،،من الذكريات ايضا، التي بقيت راسخة في ذاكرتي،هي حضور،ممرض او ممرضين الى المدرسة،يحملون حقنا،وادوية، لتطعيمنا ضد أمراض،كنّا نجهلها،،كنّا نشعر برعب حقيقي،و نحن نتابعهم، بعيون زائغة ،خائفة، و هم يهيئون تلك الحقن امام انظارنا، المنظر شبيه بوضع متهم امام التحقيق، و هو يتابع جلاديه، و هم يهيئون أدوات التعذيب امام أنظاره،،ثم يطالبوننا،برفع ملابسنا، الأكمام تحديدا، عن سواعدنا،يشرع البعض في البكاء، و البعض الاخر في الصراخ،لكن ذلك لايتنيهم،عن مواصلة "اجرامهم"في حقنا،،سواعدنا لا تزال تحمل دمامل،و آثار تلك العملية المؤلمة،على شكل دوائر صغيرة،،احيانا تتعفن، و يتطلب شفاؤها،اياما او أسابيع،،،نغادر القسم،مع صافرة،او مجرد تصفيق،،وحين تلفظنا بوابة الحبس/المدرسة،نجد بائع حلوى "جبان كولو بان"،في الجوار، يتربص بِنَا و بجيوبنا،الفارغة معظم الوقت،يحمل عمودا ملفوفا بحلوى بيضاء، و بيده سكين،يقطع بها الحلوى،كلما نفحناه،قطعا نقدية، كان يبيع و هو يردد" جبان كولو بان"،،لم نفهم أبدا،هذه العبارة الغريبة و الطويلة،التي ظل يرددها،امام المدرسة،او في الأزقة، وهو يحثنا على الإقبال على هذه الحلوى،،،كان يرددها بحماس ،فيما بعد عرفت السر الذي ظل غامضا،سر هذه التسمية الغريبة،،كان يستفز جبننا، ويحثنا على تناول حلوياته، لكي نصبح شجعانا،و نظهر للعدو،بلاخوف،، يا جبان ، كل، وبان ...

ملحقة الحسن الأول / الحبس سابقا الجزء 1

سأنتقل بكم في هذا النص السردي،من ذاكرة الطفولة،الى عوالم واجواء المدرسة الابتدائية،في أواخر الستينات،و بداية السبعينات٠لااذكر شيئا عن القسم الاول/التحضيري،ما بقي منه حيّا في ذهني،كوني أمضيته في مدرسة الحسن الاول،اما التفاصيل فقد اختفت كليا من ذاكرتي،ولاتفسير لذلك عندي،اتذكر فقط،القسم الثاني،او الابتدائي الاول،كما كان يسمى وقتذاك.اتذكرجيدا هذا القسم،ولاشك أن الذي ساعدني على الاحتفاظ به،عالقا في الذاكرة،أنني و بعض أبناء جيلي،أمضيناه،في سجن صغير. نظرا للاكتظاظ الذي تعرفه مدرسة الحسن الأول للبنين،لكون المدينة لا تتوفر الا على مدرستين،الاولى للبنين، الثانية مدرسة للأمريم للبنات، وللتغلب على هذا النقص،تم تحويل احد المرافق العمومية،الى ملحقة للمدرسة،لم يكن هذا المرفق الا سجنا في عهد الاستعمار،يقع هذا السجن قرب الجامع الكبير، اتخذته البلدية منذ سنوات عديدة مستودعا لها،و مرآبا لأسطولها من السيارات و الشاحنات،،المكان عبارة عن قاعتين دراسيتين، بإضاءة خافته، وتهوية ناقصة، و ساحة،وخلفهما غرف وقاعات، ربما كانت زنزانات السجن في الماضي،،كنّا نغادر في  الصباح الباكر،متأبطين محفظاتنا الجلدية،التي تحوي كتابا من سلسلة إقرأ لمؤلفه الاستاذ الراحل احمد بوكماخ رحمة الله عليه،أستاذ الكثير من الأجيال،الكتاب تزينه صورة لطفل و طفلة على مقعد الدراسة،في رسالة واضحة من الراحل بوكماخ،الى ضرورة تعليم الفتاة، و تمتيعهابنفس الحقوق التي يتمتع بها الذكور في مجتمع ذكوري بامتياز،،تضم المحفظة كذلك كتابا صغيرا يتضمن اجزاء من القرآن الكريم،لوحة سوداء،محاطة باطار خشبي،دفترا او دفترين على الأكثر،مع أدوات دراسية،ريشة للكتابة بالحبر او المداد،اقلام الرصاص و التلوين،طباشير..في اتجاه الحبس،هكذا نسميه، لم نسمه يوما مدرسة،نعبر زنقة الراميقي،مرورا بزنقة اداومكنون،ثم نعبر الوادي، "اسيف ن توخسين "،الذي يشطر المدينة شطرين،ضفة شرقية حيث تتواجد احياء، اضلحا،اداكفا..وضفة غربية حيث تتواجد احياء ايت محمد،ادزكري، بأزقتها العديدة تافوكت ،تاكوت،تيزيكي،الراميقي،أوعمو،اداومكنون،الملاح..كانت هناك جسور، و قناطر صغيرة،تربط الضفتين،نعبر الجسر،نمر عبر ممر ضيق يسمى درب ايرعمان،نسير بمحاذاة سور قصبة أغناج ،على يميننا الجامع الكبير،بمنارته العملاقة،تزين جدرانها العديد من الأخشاب،الى جانبها نخلة كبيرة تطاول السماء،،نصل الى المدرسة/الحبس في الوقت ،الفترة الصباحية،بسبب ضيقها، لم تكن تسمح لنا بأية مناورة،،هذا مسارنا الصباحي ،في المساء يتغير المسار،يسمح الوقت بالكثير من الألعاب و المناورات الطفولية،،يتبع،،