الجمعة، 16 ديسمبر 2016

ملحقة الحسن الأول/ الحبس سابقا/ الجزء 3 والأخير

مذكرات المدرسة/الحلقة الثالثة/ نشعر و نحن نتجاوز البوابة الحديدية للمدرسة،و كأننا خارجون للتو من السجن، و الحقيقة اننا فعلا كنّا داخل أسوار السجن،قاعة دراسية، أشبه بزنزانة كبيرة، مكتظة بالتلاميذ،أسوار عالية،ساحة ضيقة ،لا يسمح فيها بأي لعب او نشاط،عيون الاداري بعصاه، تراقبنا، و تترصد كل حركاتنا،نحس اثناء الاستراحة،بأننا غادرنا زنزانة ضيقة،الى زنزانة أوسع، مكشوفة ،تنفتح على السماء، لهذا كان الخروج من هذا الجو الكئيب، الذي تخنق فيه أنفاسنا، و تحصى فيه حركاتنا، إيذانا بالحرية،و الانطلاق نحو عالم ارحب، كنّا نطلق سيقاننا للريح،و نركض باقصى سرعة،،نعرج على معصرة لزيت الزيتون،تقع في مدخل زقاق ضيق في درب ايرعمان،رائحة الزيت الطبيعية،تجذبنا،تشدنا اليها،سحر لا يقاوم،ندخل الى المعصرة،نفتح محافظنا، ثم نخرج زادنا من الخبز الحافي،نمده الى العامل المكلف بعصر الزيتون،فيغمسه في حفرة او صهريج صغير،مملوء بالزيت،نشرع في التهامه بشهية كبيرة، ما تبقى منه،نضعه في جيب السروال،او"الفوقية"، و سرعان ما تطفو بقعة الزيت على ملابسنا،لا نكترث للأمر، شيء عاد جدا،،نواصل المسير، ونحن نلهو، ونتقادف بالاشياء،التي نصادفها في الطريق،نصل الوادي، "إيكي واسيف"،ننزل الى مجرى الوادي،به الكثير من نبات السمار،بعيدانه الخضراء الطويلة "أزماي"،من عيدانه تصنع الحصائر،نبات لايجد تربته الخصبة،الا في الوديان ،في المجرى نخيلات هنا و هناك، و الكثير من الأعشاب،نقيق الضفادع يصم الأذان،نضع محافظنا جانبا،نتابع جريان الماء،و هو نيساب،في هدوء و دعة،منحدرا في اتجاه حقول و بساتين "دو تركا"،حيث يسقي أشجار الزيتون،نصنع مراكب ورقية،نتفنن في تجهيزها، بأشرعة، و مجاديف،ثم ننظم سباقا بينها،نركض خلفها و نحن نتصايح،كل واحد منا يحث مركبه على السرعة،تغرق بعضها،فنضحك من أصحابها،بينما يلعن الخاسرون حظهم العاثر،حينما يكون اندفاع الماء قويا،نجد صعوبة في اللحاق بقواربنا و نحن نلهث خلفها،احيانا نكتشف أننا ابتعدنا كثيرا،عن محافظنا،فنعود إدراجنا، و نحن نتقاذف بالماء،ثم نساعد بَعضُنَا البعض في التسلق،و مغادرة الوادي، نغادر و قد ابتلت ملابسنا، مع ذلك نشعر بسعادة لاتوصف،،أحيانا نغير المسار، فنعرج على العين الزرقاء، هناك نخرج عدة الصيد من محافظنا، خيوط رقيقة،صنارة صغيرة،دودة ثم نلقي بها في الحوض المائي الكبير، نتنافس في من سيصطاد اكثر، كانت السمكات صغيرة جدا،نضع ما تم اصطياده،في قارورة او إناء، ثم نواصل طريقنا الى البيت،نصل الى بيوتنا وقد شارفت الشمس على المغيب...   

سينما اومبير أو سينما تاقديمت/الجزء 4 و الأخير

الحلقة الرابعة و الاخيرة من ذاكرة سينما اومبير بتيزنيت.هذه الحلقة من ذاكرة السينما،لم تكن واردة،لكنها جاءت ثمرة،تفاعل القرّاء مع الحلقات السابقة،وجدت في تعليقات الأصدقاء،مادة دسمة لحلقة إضافية،فشكرا لهم،على اغنائهم لهذه التجربة،تجربة توثعيق و تسجيل ذكريات الطفولة٠سأبدأ بعلاقتي بالسينما الهندية،شاهدنا الكثير من الأفلام الهندية،غير ان ذاكرتي،تأبى أن تنسى،فيلما واحدا ظل راسخا،في ذاكرتي، و بكل تأكيد في ذاكرة جيلي، فيلم دوستي اي الصداقة،فيلم تراجيدي حزين،تحولت القاعة اثناء عرضه،الى بيت عزاء،نشيج هنا، و نحيب هناك،بكاء صامت،في زوايا القاعة،الفيلم يحكي قصة ضرير،و أعرج و مريضة،احداث تراجيدية جد مؤثرة،تماسكت نفسي،قبل ان انخرط بدوري في البكاء،حتى الأغاني أضفت على الأحداث ،رداء قاتما من الحزن و الاسى..تلاحقت مشاهد الفيلم،تابعها الجمهور،في صمت،لم يسبوا هذه المرة موستيك،و لا ألقوا بأعقاب السجائر،سحرهم الفيلم بأحداثه التراجيدية،،حينما غادرنا،لم نجرؤ على الحديث الى بَعضنا حتى لاتفضحنا أصواتنا المختنقة،لم نرفع أبصارنا،لتبادل النظرات، كانت العيون حمراء، غارقة في الدموع...ومن المشاهد المألوفة اثناء عرض الأفلام الهندية، أن عشاق هذه السينما، و المهووسين بها، وهم كثر، كانوا يأتون محملين بآلات التسجيل، و التي يضعونها، على منصة العرض، لتسجيل الأغاني الهندية،و التي يحفظونها فيما بعد،رغم عدم فهم معانيها..جنون السينما الهندية وسحرها.أما أفلام الويستيرن،او الكاوبوي،فإن فصل الصيف، وبالتحديد،موسم الدراس،دراس المحاصيل، يبقى فرصة،لركوب الحمير بنفس طريقة رعاة البقرحينما يمتطون خيولهم،فرصة لتجسيد احلامنا الصغيرة،في تقليد ابطال تلك الأفلام.كنا نقضي اليوم كله في مساعدتهم، في عملية الدراس،مع ما تتطلبه العملية من لف و دوران، خلف مجموعة من الحمير، و وسط عاصفة من الغبار،،كانت اقدامنا تغوص في كومة الشعير او القمح الى حد الركب،ما يعيق حركتنا..كان عملا شاقا و ممتعا في آن،نتحمّل ذاك الجهد و العناءتحت أشعة الشمس المحرقة، من أجل السماح لنا بركوب الحميرفي المساء، و التسابق بها،الى أصحابها، و نحن، نقلد أصوات الهنود الحمر، او أصوات طلقات الرصاص ،كان فضاء باب أكلوالشاسع،يسمح بتقمص تلك الأدوار السينمائية،،وحينما اذهب الى قريتنا،يكون همي الاول،البحث عن حمار أو بغل،و ركوبه بنفس الطريقة،لما تحمله من تمثلات سينمائية في مخيلاتنا..من المشاهد الطريفة و الغريبة في قاعة السينما،ان الازدحام، و صعوبة العثور على مقعد،يدفع البعض لاعتلاء منصة العرض، و متابعة الفيلم في وضعية تمدد و استلقاء،حتى لايحجب الرؤية عن المتفرجين،،كان المشهد مضحكا،وحينما ينسى احدهم، ويرفع رأسه، يصبح عرضة، لقصف جوي،بالنعال،او القارورات،او أعقاب السجائر،ناهيك عن الشتائم، عادة قدف المتفرجين بأعقاب السجائر عادة مألوفة في سينما أمبير،خاصة من طرف بعض المشاغبين،الذين يحولون كراسيهم الخلفية، الى منصة لإطلاق هذه السجائر المتقدة،،،الدخول الى السينما لم يكن دائما متاحا،لصعوبة توفير ثمن التذكرة"درهم و30سنتيم"،مبلغ كبير حينها،كنّا نلجأ الى البطاريات الصغيرة ،ننزع قاعدتها،او أسفلها،ندهسها،حتى تحمل شكل و حجم القطع النقدية،ثم نمنحها، للهواري،مستغلين الظلام، بعد أن ندسها في يده،متعمدين اثناء تسليمها، ان تحدث رنينا شبيها بالنقود،،كنّا نغامر،، صفعة من يده، او ركلة من قدمه كفيلة بأن تطوح بأجسادنا الصغيرة، خارج السينما بأمتارعديدة...فيلم آخر ألهب حماسنا، وترك بصمته على مخيلاتنا، فيلم "الوصايا العشر" او فيلم سيدنا موسى،كما نتداوله بيننا، من الاعمال السينمائية التاريخية الضخمة،اذكر اننا شاهدناه اكثر من مرة،فيلم رائع جدا،بفضاءاته التاريخية،والحشد الكبير من الممثلين و الكومبارس..اما أفلام الكراطيه،وخاصة أفلام بروسلي،فكانت تدفع بِنَا الى حركات خطرة،تجعلنا عدوانيين، و نحن نحاول تقليد ابطال تلك الأفلام،رغم ما يشكله هذا التقليد من خطورة علينا، و على محيطنا.انتهى.بقلم :حسن ادحجي.                        

سينما اومبير أو سينما تاقديمت/ الجزء 3

الحلقة الثالثة من سينما اومبيرEmpire/..دامت الاستراحة دقائق،تحولت القاعة السينمائية،الى مطعم شعبي،تصاعدت أدخنة السجائر الرخيصة،ورائحة مخدر الكيف،الذي يدخن في الزوايا المعتمة،واختلطت بروائح ساندويتشات با براهيم ،التي تفوح من كل زاوية من القاعة،اكثر وجباته السريعة،يهيئها من السردين المقلي،او من سمك التون،مع سلاطة الطماطم و البصل،مع الكثير من التوابل،و الفلفل الحار،"لحرور"٠٠انطفأت الاضواء مجددا،وانطلق العرض الثاني،فرغت بعض الكراسي،تسللت الى احدها،بعد أن  استأذنت ،جلست ،شعرت براحة كبيرة،قدماي متعبتان من الوقوف طوال الفيلم الاول،ظللت ابتهل الى الله،ألا يعود صاحب المقعد،كان الفيلم من نوع رعاة البقرCowboy،ماكاد الفيلم يبدأ حتى شرع شخص يجلس خلفي،في سرد احداث الفيلم على رفيقه،كنت أتلقى الأحداث سماعا، قبل ان تظهر على الشاشة،انزعجت كثيرا،تساءلت كيف يقبل ذاك المعتوه، ان يقص عليه رفيقه احداث الفيلم،بينما تقوم الشاشة بالمهمة ؟ضاع بعض التشويق و الإثارة بسبب هذين الجليسين الثقيلين،تدور وقائع الفيلم في بيئة صحراوية قاحلة،مطاردة رعاة البقر،بزيهم المعروف،خاصة قبعاتهم الشمسية الكبيرة،تتدلى من خاصرتهم مسدسات ،يمتطون صهوة خيول قوية،تركض باقصى سرعة،كانوا يطاردون هنودا حمرا،لم تكن المعركة متكافئة،مسدسات وبنادق، في مواجهة،أقواس، و سهام و رماح٠٠كنا نصفق لرعاة البقر، و هم يسحقون الهنود الحمر،ظللنا نعتبرهم همجا و متوحشين،هكذا علمتنا السينما الامريكية،لم نتعاطف يوما معهم٠٠عندما كبرنا، اكتشفنا الحقيقة، كنّا مخدوعين...استمر العرض،وسط الضجيج ،،ضحكات الحاضرين،و تصفيقاتهم لبعض العروض،تنبيهات و تحذيرات لبطل الفيلم،من داخل القاعة..كان الهنود الحمر يتساقطون كالذباب..او يلوذون بالفرار،و هم يطلقون صيحات..ينسحبون من المعركة، فالبطل الامريكي شخصية لاتقهر،تمثل القانون، الخير و النظام،بينما الآخرون،مطلوبون للعدالة،عدالة الانسان الأبيض ،هم اشرار و وحوش يجب سحقهم، وتعليمهم الحضارة،،انها الصورة النمطية لأفلام الويستيرن...انتهى العرض،غادرنا القاعة،البعض خرج من الباب الخلفي المؤدي للملاح،عادة هذا الباب لايفتح الا للزبناء و المقربين من مستخدمي القاعة،و حينما استقبلنا الفضاء الخارجي،احتجنا لبعض الوقت لاستعادة علاقتنا بالمكان،كنّا نحلق في السحاب، كنّا لانزال تحت تأثير اجواء السينما،يستمر الوضع دقائق،تطول او تقصر،حسب قوة الفيلم..شيئا فشيئا نبدأ في استعادة وعينا بالمكان، استعادة قاسية و مؤلمة،نعود الى دروبنا الضيقة، و الشاحبة،الى عالمنا الضيق و الصغير،الذي لايتعدى،حدود الحي الذي نسكن فيه،حي الراميقي تحديدا...في الغد كان علينا أن نصنع فرجتنا،ان نصنعها بإمكانياتنا البسيطة،العودة الى السينما،سيحتاج الى وقت أطول،و تضحيات مادية لا نملكها،،في اليوم الموالي، كان علينا أن نصنع خيولنا،من القصب،و مسدساتنا من الخشب،ثم نحول ساحة الحي الى ميدان معركة، بين رعاة البقر و الهنود الحمر...

سينما اومبير أو السينما تاقديمت/ الجزء 2

سينما اومبير او سينما تاقديمت بتيزنيت "الحلقة الثانية"

٠٠٠استمر التدافع،و الازدحام،لبعض الوقت،تعالت الصيحات،تمزقت ملابس بعض الرواد،تطايرت الأزرار،الحقيقة ان بوابة، السينما، و ممرها الضيق، ساهما في هذا الوضع المشحون،القاعة تقع في حي شعبي بالمدينة القديمة،في زقاق لايتسع لكل هذا الحشد٠انتظرنا حتى خُف الازدحام، تجاوزت بوابة السينما، اقتربت من شباك التذاكر، لنقل شباكا تجاوزا، كوة صغيرة، يطل منها "باحسن"كنّا نسميه باحسن بوتخليلت،صاحب مزاج عكر، عصبي المزاج،دائم الانفعال،سلمته النقود،بيد مرتعشة، سألني بانفعال:بالكون ولا اوركسترا؟لم أفهم شيئا من كلامه، قلت اريد الدخول الى السينما..أعاد السؤال بحدة هذه المرة،لأول مرة أسمع بالكلمتين الغريبتين،فكرت،حرت جوابا،لعنت جهلي بالثقافة السينمائية،أنا سليل الثقافة الشعبية، ثقافة فن الحلقة تحديدا،قلت في نفسي،ربما يسألني،هل اشاهد الفيلم الأول ام الثاني؟توكلت على الله،أجبته و أنا أداري خجلي : هما معا، الأول و الثاني..زعق في وجهي،تمتم بكلمات غاضبة،سلمني ورقة زرقاء صغيرة،غادرت الشباك اللعين،و أنا سعيد بالغنيمة،ورقة صغيرة،لكنها ستحملني الى عالم آخر،شكل دوما حلما كبيرا لي،،بدت التذكرة في يدي،أشبه بجواز سفر،أو تأشيرة دخول الى عوالم جديدة،، في انتظار ان يخف الزحام،عند بوابة الدخول الى قاعة العرض،سألت شخصا بجانبي عن البالكون،و الاوركيسترا،أجابني،الكراسي العلوية، و الكراسي السفلية،أضاف هما كلمتان فرنسيتان،لعنت جهلي،بالكاد حفظت الدرس الاول من كتاب الفرنسية،للابتدائي الثاني Jolie Mina Miki..،امضيت أوقاتا ممتعة،اتسلى بالنظر الى ملصقات كبيرة،للأفلام، كانت تزين جدران بهو السينما،ملصقات عملاقة لكبار الممثلين العالميين،بعض الصور اباحية،بها مشاهد ساخنة٠٠صور صادمة،خادشة للحياء،خاصة بالنسبة لأطفال،يقتحمون السينما لأول مرة، احتكاك بالجسد الآخر في عريه٠٠تقدمت نحو بوابة قاعة العرض،يقف "الهواري"بقامته الفارعة،تسلم مني الورقة،منحني،نصفها، و احتفظ بالنصف الآخر،دخلت،أتحسس موضع قدمي في الظلام،كان الفيلم،قد بدأ منذ دقائق، القاعة أشبه بحمام، فرن حقيقي،لم يكن هناك لا الطابق العلوي، ولا السفلي،اللعنة على بوتخليلت،القاعة أشبه بمنحدر خطير،المقاعد الخلفية تبدو وثيرة،تشرف على القاعة،ربما تسمح بمشاهدة أفضل،كنت اتصبب عرقا بفعل الازدحام،بالكاد عثرت على موطئ قدم في الممر،شاشة عملاقة،تصدر منها أصوات تهتز لها جدران القاعة،ظللت للحظات مشدوها،في حالة من الدهشة و الانبهار،سحر الشاشة لايقاوم،،موقعي لم يكن يسمح بمتابعة مريحة للفيلم البوليسي، لكن،شعرت بالسعادة تغمرني و انا اتابع مشاهد الفيلم لأول مرة في حياتي..فجأة،و دون سابق إنذار،انطلق صفير حاد،من كل جنبات القاعة،تعالت الصيحات،تطايرت الشتائم ٠٠اذكر منها: العور، العرج، أبيضار، ابوكاض،،توالت اللعنات،والشتائم ،طالت الأب و الام،والجد،و النسب كله..سألت في ذهول،شخصا بجانبي،عما حدث،قال:ألم تلاحظ،أنه حذف مشهدا من الفيلم،أجمل مشهد!!،سألته في غباء،ماذا في المشهد المحذوف؟نظر الي،قال،لن تفهم شيئا،،ثم تابع الصفير و السب،،سألت آخر،من يسبون بهذا الشكل الهيستيري،أجابني، "موستيك"، و من غيره، إنه يتصرف معنا دائما، بهذه الطريقة،يحذف اجمل المشاهد، و الصور٠٠عرفت فيما بعد أن موستيك هذا، هو المكلف بتشغيل آلة العرض،لا نكاد نراه إلا نادرا، يظل يلازم غرفة الغرض لا يغادرها،مسكين،يظل يشتم و يسب،دون أن يجرؤ على مغادرة غرفته،للرد، او تقديم توضيح، هل كان ساديا؟يستمتع بتعذيب الرواد، برؤية المتفرجين،و هم في حالة غضب و هيجان،لا تهمه الشتائم التي تطاله و تطال أصله و فصله..كنت أتخيّله بمقص كبير من النوع الذي تجزبه صوف الأغنام، و هو يقطع الشريط، نكاية في من يسبونه.توالت مشاهد الفيلم،لازلت اذكرأن بطل الفيلم أو الولد كما كنّا نسميه هو الممثل الشهير Roger Moore،عرفت اسمه فيما بعد،في السلسلة التليفزيونية الشهيرة، الرجل الصالح Le saint ٠تتابعت المشاهد،بين تصفيق و احتجاج،التصفيق كلما هزم لولد خصومه الاشرار،كانت التحذيرات تأتيه من داخل القاعة،لتنبهه   كلما كان هناك خطر يحدق به،بعض المتفرجين،اندمجوا في الأحداث، الى حد الذوبان،اشعر بهم،وكأنهم في قلب الحدث،اما الاحتجاج،فيصدر كلما فطن المتفرجون،ان حذفا قد حدث ٠انتهى الشريط الاول ،على وقع الاحتجاج،على الاقتطاعات المتتالية،،أشتعلت أضواء القاعة،استراحةEntracte لدقائق،غادر البعض،لإحضار ساندويتش،من "بإبراهيم الملقب ب لاباندرابا،صاحب البشرة السمراء،بعربته المدفوعة،الشهير بوجباته،الخفيفةوالرخيصة،شخص طيب،دائم البشاشة،لاتكاد تفارقه ابتسامته،صاحب نكات،لسنوات و هو يركن عربته،في زاوية قرب السينما،هو جزء من ذاكرتنا، و ذاكرة سينما اومبير٠٠

سينما اومبير أو السينما تاقديمت/ الجزء 1

الحلقة الاولى من ذاكرة سينما اومبير أو سينما تاقديمت بتيزنيت ،بعد مرحلة القوافل السينمائية،او سينما الشارع،حصلت طفرة مهمة في علاقتنا بالسينما، كقاعة، و فضاء تؤثته الكثير من الاشياء٠لا أذكر بالضبط متى بدأت علاقتي بالسينما، كل ما أذكره،أن ولوجي لقاعة العرض،ارتبط في ذاكرتي بيوم عيد،حيث يجود علي أبي،بدرهمين ،مبلغ يشكل حينها ثروة لأبناء جيلي،مبلغ يكفي لحجز تذكرة السينما،و ملء جيوبنا بحلويات،دائرية الشكل،بأحجام كبيرة و صغيرة، نسميها "فانيد المكانة"،لأن على احد وجهيها رسمت ساعة٠في ذاك اليوم،تخلصنا من الملابس البالية،الباهتة الألوان،من كثرة الاستعمال،و التي تم رتق ثقوبها، اكثر من مرة٠٠٠تخلصنا منها،لنضع بدلا منها،ملابس جديدة،قميص،سروال، وحذاء جديد، وكنا نتعمد ترك قطعة الكارتون،المتبتة خلف سراويلنا،و التي تحمل عادة،الاسم، الحجم، و العلامة التجارية،،ندعها،لكي يعرف الجميع،ان الملابس تم اقتناؤها للتو، ولم تستعمل بعد، و اذكر ان البطاقة اللاصقة بالسروال،تحمل مطرقة،علامة الجودة حينها٠٠لا أستطيع الآن ان أصف لكم مبلغ سعادتنا الغامرة، و نحن ننتعل حذاءا جديدا، لا نكاد نصدق اننا تخلصنا اخيراً من صندلة لعينة بلاستيكية بيضاء أو شفافة ،ظلت تلازمنا،هي رفيقتنا،في المدرسة،في الأزقة،في ملاعب الكرة،الترابيةو الصخرية،و كثيرا ما أدمت الحجارة أصابعنا الصغيرة،كلما أطلت من ثقوبها المتعددة،فتحاتها الكثيرة،لا تكاد تخفي اقدامنا،بحيث يسهل تسلل،الحجارة الصغيرة،مما يزعجنا٠في أيام البرد،تكون معاناتنا أشد،لذا نضطر لوضع جوارب،كان المشهد مضحكا،جوارب تحت صندلة!!للحذاء الجديد نكهة خاصة، يعطينا إحساسا بالعظمة، والكبرياء،نشعر أننا كبرنا قبل الأوان،كنا نمشي مزهوين الى السينما،و نحن نتجنب الحصى، و الأماكن المتربة، فالحذاء،سيعود الى علبته مساء،و سيختفي عن انظارنا،وسيصبح أثرا بعد عين،الى ان يحل العيد الموالي،هي صحبة إذن،ليوم واحد لا أكثر٠٠أصل الى السينما،مع ثلة من أصدقائي،في دقائق،كنّا محظوظين،لأننا نسكن قريبا منها،تقع السينما على بعد خطوات فقط من حي الراميقي،يستقبلنا مكبرصوت القاعة،و هويصدح بموسيقى غربية،غالبا موسيقى المجموعة الغنائية الشهيرة،BoneyM، موسيقى رائعة،كلما أنصت اليها الآن،إلا و ذكرتني بتلك الأيام الخوالي٠حشد المنتظرين كبير،فاليوم يوم عيد، انها فرصة الأغلبية،لدخول السينما، و ربما لن تتاح الفرصة، الا بعد مرور وقت طويل،لم يكن هناك طابور،بل حشد كبير،ازدحام شديد،على بوابة السينما الضيقة،على لوح متبت بالجدار،ملصقان اشهاريان كبيران للفيلمين المعروضين، أسفله مباشرة،صور صغيرة،لمشاهد من الفيلمين،أحدهما،من نوع رعاة البقرCowBoy،الثاني فيلم بوليسيEspionnage،الفرجة مضمونة بكل تأكيد،اختيارات العيد دائما مميزة،تختفي أفلام الكراطيه،و الأفلام الهندية،لتحل محلها أفلام عالمية رائعة٠٠إنها هدايا العيد، دقائق من الانتظار، ثم انفتح باب واحد،أطل "باحسن"، ليتأكد من الحضور،و يقيم الوضع، تلك عادته طوال سنوات،فجأة،انفتح البابان،اندفع الجميع نحومدخل السينما،حدث تدافع شديد،لا مكان فيه للصغار،والنحيفين، الغلبة للأقوياء،زحف البعض فوق الرؤوس،تعالت الصيحات،ترافقت مع وابل من الشتائم،المتطايرة،بقينا نحن،الصغار،مسمرين في مكاننا،خفنا على أنفسنا،خفنا أكثر على أحذيتنا الجديدة،بعد أن بدت لنا الكثير منها،وسط الزحام، بعد أن ضيعها اصحابها٠٠٠

ملحقة الحسن الأول/ الحبس سابقا الجزء 2

ندخل الى الحبس/المدرسة،نقف في طابور امام القسم،مثنى مثنى نلج القسم، لا اذكر اننا دخلنا دفعة واحدة، او دخلنا في فوضى، او في تدافع،طابور مستقيم،الصغار في المقدمة،والكبار في الخلف على شكل مدرج،، هكذا علمنا سي العمراني الذي يدير الملحقة، انه مستعد في كل لحظة و حين للتدخل،لتقويم اي اعوجاج في الصف،لازلت أذكر أنه يستعمل يسراه،اكثر من يمناه،و العصا لاتفارق يده اليسرى، يرتدي جِلْبابا معظم الوقت،صارم ، يحب النظام و الانتظام.أما المعلم فهو سي الخياطي،كان قصير القامة،مواظبا على ارتداء وزرة زرقاء،او رمادية،طيب،هادئ..تتوالى الدروس،بين درس في القراءة،و درس في الخط،او الحساب،او القرآن الكريم..على المقعد،في اعلى الزاوية اليمنى، و اليسرى،ثقبان دائريان،لوضع المحبرة، التي يملؤها المعلم بالمداد،ثم نغمس فيها الريشة اثناء الكتابة،مع استعمال منشفة،تحت أيدينا اثناء الكتابة،مخافة سقوط اي مداد على الدفتر،،اكثر ما نرتاح له،هو دروس القراءة، بنصوصها الشيقة و الممتعة، و صورها الملونة، التي تثير فينا الكثير من التمثلات و الصور و الأخيلة.من الذكريات التي لاتزال عالقة في ذاكرتي عن هذه المدرسة،قيام المعلم،بإخراج أنبوب صغير، من علبة صفراء،ثم شروعه في الطواف علينا،كأي ممرض لوضع مرهم اصفر في عينينا الاثنتين،قائلا انه سيخلصنا من أمراض العيون،وينظفها، مما يعلق بها من غبار،او جراثيم،،بالكاد نفتح عينينا،ينزعج احيانا من الخوف الذي يصيبنا،واحيانا يخطئ،فيضع في عيني احدنا،مرهما اكثر، فيبدو المنظر مقرفا،فكنا نكتم ضحكاتنا من المشهد،كنا نحتاج لبعض الوقت،لتزول تلك الغشاوة عن اعيننا، و التي تحجب الرؤية عنا،،،من الذكريات ايضا، التي بقيت راسخة في ذاكرتي،هي حضور،ممرض او ممرضين الى المدرسة،يحملون حقنا،وادوية، لتطعيمنا ضد أمراض،كنّا نجهلها،،كنّا نشعر برعب حقيقي،و نحن نتابعهم، بعيون زائغة ،خائفة، و هم يهيئون تلك الحقن امام انظارنا، المنظر شبيه بوضع متهم امام التحقيق، و هو يتابع جلاديه، و هم يهيئون أدوات التعذيب امام أنظاره،،ثم يطالبوننا،برفع ملابسنا، الأكمام تحديدا، عن سواعدنا،يشرع البعض في البكاء، و البعض الاخر في الصراخ،لكن ذلك لايتنيهم،عن مواصلة "اجرامهم"في حقنا،،سواعدنا لا تزال تحمل دمامل،و آثار تلك العملية المؤلمة،على شكل دوائر صغيرة،،احيانا تتعفن، و يتطلب شفاؤها،اياما او أسابيع،،،نغادر القسم،مع صافرة،او مجرد تصفيق،،وحين تلفظنا بوابة الحبس/المدرسة،نجد بائع حلوى "جبان كولو بان"،في الجوار، يتربص بِنَا و بجيوبنا،الفارغة معظم الوقت،يحمل عمودا ملفوفا بحلوى بيضاء، و بيده سكين،يقطع بها الحلوى،كلما نفحناه،قطعا نقدية، كان يبيع و هو يردد" جبان كولو بان"،،لم نفهم أبدا،هذه العبارة الغريبة و الطويلة،التي ظل يرددها،امام المدرسة،او في الأزقة، وهو يحثنا على الإقبال على هذه الحلوى،،،كان يرددها بحماس ،فيما بعد عرفت السر الذي ظل غامضا،سر هذه التسمية الغريبة،،كان يستفز جبننا، ويحثنا على تناول حلوياته، لكي نصبح شجعانا،و نظهر للعدو،بلاخوف،، يا جبان ، كل، وبان ...

ملحقة الحسن الأول / الحبس سابقا الجزء 1

سأنتقل بكم في هذا النص السردي،من ذاكرة الطفولة،الى عوالم واجواء المدرسة الابتدائية،في أواخر الستينات،و بداية السبعينات٠لااذكر شيئا عن القسم الاول/التحضيري،ما بقي منه حيّا في ذهني،كوني أمضيته في مدرسة الحسن الاول،اما التفاصيل فقد اختفت كليا من ذاكرتي،ولاتفسير لذلك عندي،اتذكر فقط،القسم الثاني،او الابتدائي الاول،كما كان يسمى وقتذاك.اتذكرجيدا هذا القسم،ولاشك أن الذي ساعدني على الاحتفاظ به،عالقا في الذاكرة،أنني و بعض أبناء جيلي،أمضيناه،في سجن صغير. نظرا للاكتظاظ الذي تعرفه مدرسة الحسن الأول للبنين،لكون المدينة لا تتوفر الا على مدرستين،الاولى للبنين، الثانية مدرسة للأمريم للبنات، وللتغلب على هذا النقص،تم تحويل احد المرافق العمومية،الى ملحقة للمدرسة،لم يكن هذا المرفق الا سجنا في عهد الاستعمار،يقع هذا السجن قرب الجامع الكبير، اتخذته البلدية منذ سنوات عديدة مستودعا لها،و مرآبا لأسطولها من السيارات و الشاحنات،،المكان عبارة عن قاعتين دراسيتين، بإضاءة خافته، وتهوية ناقصة، و ساحة،وخلفهما غرف وقاعات، ربما كانت زنزانات السجن في الماضي،،كنّا نغادر في  الصباح الباكر،متأبطين محفظاتنا الجلدية،التي تحوي كتابا من سلسلة إقرأ لمؤلفه الاستاذ الراحل احمد بوكماخ رحمة الله عليه،أستاذ الكثير من الأجيال،الكتاب تزينه صورة لطفل و طفلة على مقعد الدراسة،في رسالة واضحة من الراحل بوكماخ،الى ضرورة تعليم الفتاة، و تمتيعهابنفس الحقوق التي يتمتع بها الذكور في مجتمع ذكوري بامتياز،،تضم المحفظة كذلك كتابا صغيرا يتضمن اجزاء من القرآن الكريم،لوحة سوداء،محاطة باطار خشبي،دفترا او دفترين على الأكثر،مع أدوات دراسية،ريشة للكتابة بالحبر او المداد،اقلام الرصاص و التلوين،طباشير..في اتجاه الحبس،هكذا نسميه، لم نسمه يوما مدرسة،نعبر زنقة الراميقي،مرورا بزنقة اداومكنون،ثم نعبر الوادي، "اسيف ن توخسين "،الذي يشطر المدينة شطرين،ضفة شرقية حيث تتواجد احياء، اضلحا،اداكفا..وضفة غربية حيث تتواجد احياء ايت محمد،ادزكري، بأزقتها العديدة تافوكت ،تاكوت،تيزيكي،الراميقي،أوعمو،اداومكنون،الملاح..كانت هناك جسور، و قناطر صغيرة،تربط الضفتين،نعبر الجسر،نمر عبر ممر ضيق يسمى درب ايرعمان،نسير بمحاذاة سور قصبة أغناج ،على يميننا الجامع الكبير،بمنارته العملاقة،تزين جدرانها العديد من الأخشاب،الى جانبها نخلة كبيرة تطاول السماء،،نصل الى المدرسة/الحبس في الوقت ،الفترة الصباحية،بسبب ضيقها، لم تكن تسمح لنا بأية مناورة،،هذا مسارنا الصباحي ،في المساء يتغير المسار،يسمح الوقت بالكثير من الألعاب و المناورات الطفولية،،يتبع،،

السبت، 17 سبتمبر 2016

ذاكرة فن الحلقة/حلقة بولقصص/الجزء الرابع

الحلقة الرابعة من ذاكرة فن الحلقة/حلقة داحماد المداح /بولقصص ..كان يحلو له أن يستهل قصة الأزلية بقوله"كان يا مكان في قديم الزمان،و سالف العصر و الأوان،ملك يسمى سيف بن ذي يزن،بن التبع بن نوح عليه السلام" أو يستهل قصة العنترية،بالعبارة المألوفة و المحببة لديه "طلعت الشمس،عالكدا والبطاح،،واللي صلى على النبي يرباح"لتصدح حناجر رواد الحلقة"اللهم صلي عليك أ رسول الله"،ثم ينطلق الحكي بسلاسة،كان في سنواته الاولى يحمل آلة الكنبري،ترافقه اثناء حكيه،تتخلل سرده،ثم استبدلها بقضيب من قصب الخيزران،يستعمله بمهارة،احيانا يتأبطه،وأحيانا يلوح به،كسيف أو رمح او خنجر،كانت له قدرة كبيرة على لفت انتباهنا،وشد انظارنا،بتشخيصه الرائع،و تقمصه لمختلف الأدوار،،وتجسيده المتقن،للشخصيات و المواقف،مستعينا بمقسمات وجهه التي تتغير حسب المواقف و الانفعالات،بتقليب نظراته،وتحريك عينيه،،بتغيير نبرات صوته ،كان ممثلا بارعا،ممثلا بالفطرة ٠٠كان يتوقف عن الحكي بعد ساعة،ليقوم بدورة،على رواد الحلقة،لجمع بعض المال،لم يكن جشعا،كعادة الحلايقة،بل زاهدا،قنوعا،تكفيه جولة واحدة،وكانت تستغرق بعض الوقت،لأن الجميع يحرص على الإحسان اليه،ثم يقنع بما تحصل عليه من دريهمات،يضعها في قب جلبابه،ليستأنف حكيه الممتع،وكنا حريصين على اعطائه ما ادخرته،جيوبنا من قطع نقدية، على حاجتنا الماسة لها،حتى نضمن مجيئه،وعدم انقطاع حكاياته الرمضانية الممتعة،،ومع متعة حكيه،و روعة سرده،كنّا ننسى أمعاءنا التي تتدور جوعا و عطشا،،وقبيل المغرب بقليل،يتوقف عن الحكاية،وغالبا ما يختار إنهاء الحكي في مواقف مفصلية وفارقة،فيها الكثير من الإثارة و التشويق، يفعل ذلك ليضمن مجيئنا في اليوم الموالي،لمتابعة الحلقة الموالية٠٠٠حسن إدحجي.

مذكرات فن الحلقة/حلقة بولقصص/الجزء الثالث

الحلقة الثالثة من ذاكرة فن الحلقة/حلقة داحماد المداح/بولقصص ...لشهر رمضان لدى صاحبنا المداح،طقوس خاصة،له إجلال و هيبة،خلاله يتوقف عن الصيد،هدنة مؤقتة مع البحر،مع أمواجه و صخوره واسماكه،يجمع عدة الصيد،يحكم إغلاق مغارته،أو يتركها وديعة لدى من يثق فيهم من خلانه القلائل،ليستقر في بيته بقصبة تاكوت،هناك يجدد علاقته بمكتبته الغنية بالكتب و المجلدات التراثية،كانت تضم حكايات الف ليلة و ليلة،سيرة عنترة،سيرة الملك سيف بن ذي يزن ،سيرة حمزة البهلوان ..هناك يبدأ في إعداد سلسلة حلقات قصته التي سيرويها لمريديه، و عشاق حلقته ،لم يتخذ الحلقة مهنة ،او وسيلة للاسترزاق ،بل اتخذها هواية ، ونشاطا موسميا يؤديه بحب و عشق كبيرين،يظهر في شهر رمضان، ليختفي في باقي الشهور، حتى بات ظهوره مرتبطا ببزوغ هلال الشهر الفضيل،نتطلع لطلعته البهية بشوق كبير٠كان يقيم حلقة الحكي قرب باب العوينة، قبل تحويلها الى الساحة المقابلة للبريد،محطة تاكسيات اكادير حاليا.كان يأتي الى الساحة،قبيل العصر،ليجدنا وقد هيأنا له الحلقة،بين واقف وجالس،كنّا نحن الصغار،نفترش الارض،بينما يقف الكبار،كانت الحلقة كبيرة،جمهور من مختلف الأعمار، وأثناء شروعه في الحكي،يخيم صمت مطلق المكان،كانت حكاياته، مأخوذة من التراث السردي العربي القديم،مع التركيز على قصة الأزلية، قصة سيف بن ذي يزن،بأجوائها الخرافية و الأسطورية،بشخوصها العجائبية،عالم يتعايش فيه الجن و الإنس جنبا الى جنب،من ابطال هذا العالم اتذكر شخصية عيروض، و عاقصة،، قصة عنترة بن شداد، ببطولاتها النادرة،بحروبها، و معاركها القبلية التي لاتنتهي،بشخصية عنترة الخارقة للعادة،وانتصاراته البطولية على خصومه،مهما بلغ عددهم،أو اشتد بأسهم،شخصية شيبوب التي يحسّن المداح،تقليدها بطريقة كوميدية فائقة،،شخصية عبلة،التي يتفنن في وصف جمالها الفائق ..يتبع/ حسن ادحجي

الجمعة، 16 سبتمبر 2016

المسبح البلدي بتيزنيت

المسبح البلدي بتيزنيت،قبل تفويته في ظروف غامضة،لإحدى الوحدات الفندقية المصنفة بالمدينة،كان في السبعينات المتنفس الوحيد لابناء المدينة،و الملاذ الوحيد في أيام الصيف الحارة،يتكون المسبح من حوض كبير للكبار، و حوض صغير للأطفال، ومنصة إسمنتية عالية نسبيا، للقفز و الغطس، غالبا لايستعملها الا السباحون المهرة، كما يستعمل هذا المسبح مستودعا للملابس،للاعبي نادي الأمل لكرة القدم، و لضيوفه من نوادي القسم الثالث.خلال عيد الشباب في عهد الحسن الثاني الذي يحتفل به المغاربة في التاسع من يوليوز،يتحول المسبح الى فضاء للألعاب بمختلف أنواعها،مع التركيز على الألعاب المائية،سباقات و ألعاب يغلب عليها طابع التسلية،و الفكاهة،و الترفيه، مع عروض رائعة في القفز من اعلى المنصة،و الغطس،قفز مصحوب بحركات رشيقة و دائرية في الهواء قبل الغطس في المسبح بسلاسة و رشاقة،أذكر أن السباحين الذين يمارسون هذه القفزات الرائعة و الرشيقة، هما با براهيم الحوات،ذو البشرة السمراء، و سي المنصوري المعلم،، كانت القفزات تقابل بوابل من التصفيق و التشجيع،،تنتهي المسابقات المختلفة بتوزيع الجوائز على الفائزين..كانت أياما جميلة،لاتنسى..

إيكي واسيف او وادي توخسين

صورة نادرة ل إيكي واسيف بداية السبعينات ،توضح وادي توخسين، و احد الجسور الرابطة بين ضفتي الوادي..على أنقاض البستان المحاط بالسور ،تقع مدرسة 18 نونبر...

داحماد المداح او بولقصص

توصلت  بهذه الصورة النادرة ،من الصديق رشيد العلام،و هي لشخص داحماد المداح او بولقصص،الشخصية التي طالما شنفت أسماعنا،و ألهبت حماسنا،و أغنت خيالنا بحكايات و قصص رائعة خلال السبعينات و الثمانينات.الشخصية التي كانت موضوعا لعدة حلقات من ذاكرة فن الحلقة، ونشرتها على صفحتي خلال شهر رمضان.ةالصورة التقطت بالمكتب الوطني للكهرباء بتيزنيت ،شهر مارس 1976، بمناسبة احياء عيد العرش.المداح وهو يؤدي احدى التقاسيم على آلة الكنبري،و الى يساره موستيك، و المرحوم الحيمر،و الى يمينه الأخ رشيد العلام،و هو يحمل الميكروفون.شكرا جزيلا للأخ رشيد العلام على هذه الوثيقة الفنية و التاريخية.

ذاكرة فن الحلقة/حلقة بولقصص/الجزء الثاني

الحلقة الثانية من ذاكرة فن الحلقة/شخصية داحماد المداح/بولقصص/بعد أن ضاق بصاحبنا المكان بمقهى "كوغرابو"،اكترى بيتا صغيرا بزنقة تاكوت المجاورة لمسجد ادزكري،استقر في هذا البيت،،كان يتردد على اكلو، لممارسة الصيد،الهواية التي عشقها،و اتخذها  مهنة،على شاطئ "أفتاس" و "تاسلضيحت"،كان يمتهن صيد الأسماك،باستعمال البيلوطا،قصبة تتعدى سبعة أمتار،،وكان يهوى الصيد ليلا،منزويا،بعيدا عن عيون الفضوليين،و حينما أعياه التنقل يوميا،بين تيزنيت و اكلو، لجأ الى احدى مغارات "بوخراص" المطلة على "تامدا"،و اتخذها مسكنا له،بعد إصلاحها و تأثيثها،مجاورا بعض السياح،من هواة السفر و التنقل،مشيا على الأقدام،او استعمال "الاوتوستوب"،والذين يتخذون من تلك المغارات،ملجأ و مكانا للنوم،و يروي عنه الصيادون،حديثه بأكثر من لغة، ودخوله في احاديث طويلة مع السياح الأجانب،،بعد فترة من الزمن،تكرم عليه شخص يدعى "لمعلم لحسن أمواكني"،بغرفة/مغارة بافتاس،بعد أن تعرف عليه، و توطدت صداقته به،،في هذه المغارة سيكتشف الصيادون،ممن ارتاح و اطمأن لهم المداح، مواهبه المتعددة،في فن الحكي و متعة السرد، كما سيكتشفون فيه موهبة العزف على آلة "الكنبري"الآلة الوترية التي أتى بها من الصويرة،و التي ادخل على أوتارها عدة تغييرات،ليؤدي بها تقاسيم،إشبه بتقاسيم  العود،عرف عنه عشقه الكبير لفريد الأطرش،و أداؤه لأغانيه بطريقة رائعة،كما يحلو له أن يغني عن جمال الصويرة،والتي لا يخفي اعجابه بها،،حين كان يعزف،او يسرد حكاياته لثلة من أصدقائه،كان الصمت و الاصغاء سيد المكان، يعرف كيف يأسر جلساءه،المهارة التي سيتقنها و ستظهر جلية في حلقته الشهيرة خلال رمضان،،غنى، بإلحاح و طلب من أصدقائه،خاصة  من صديقه "بورما"،بعض أغاني فريد الأطرش،في الاحتفالات التي تنظم في بهو المكتب الوطني للكهرباء ،بمناسبة عيد العرش .بعد أن استقر به المكان بشاطئ افتاس،وأمام وفرة الأسماك التي كان يصطادها،اضطر لاقتناء دراجة نارية من بائع السمك المعروف "بومزوغ" ،و شرع في استعمالها في التنقل بين اكلو و تيزنيت،لبيع صيده لزبنائه،،هكذا كانت تمضي أيامه،بين الصيد،و بيع صيده، و جلسات الحكي و الطرب ،مع ما يحيط بها من مؤانسة و لهو و تدخين و شرب..يتبع/ حسن ادحجي.

ذاكرة فن الحلقة/ حلقة بولقصص/الجزء الأول

الحلقة الأولى من ذاكرة فن الحلقة/ذاكرة داحماد المداح أو بولقصص /حل بمدينة تيزنيت،أو قاده قدره اليها،أواخر الستينات،قادما اليها من مدينة الصويرة،هناك روايات تذهب الى أنه من مواليد بونعمان ،غير أنه هاجر الى الصويرة،و استقر بها..كان هدية من السماء،هبة من الله لساكنة هذه المدينة،لعشاق الفرجة،و هواة القصص و الحكايات،كنّا محظوظين،لأن القدر قاده إلينا،دون باقي المدن.نزل أول الامر،بمقهى شعبي،في ملكية "كوغرابو" يقع بمحاذاة محل بن سالم للنجارة،قبالة مقهى شعبي آخر،يدعى مقهى "حفصة" الموجود بزنقة الحمام.عرف عن  مقهى "كوغرابو" كونه ملاذا و ملجأ،لمنشطي فن الحلقة (لحلايقية)الذين ينشطون في فضاءات المدينة، وساحاتها،خاصة فضاء باب لعواينة،والساحة المقابلة للبريد (محطة تاكسيات اكادير حاليا)،كما اشتهر هذا المقهى،بكونه مكانا،للعب الورق،و ممارسة القمار،من طرف محترفي هذه الآفةو كبار المتمرسين عليها،،،عرف بين رواد المقهى،بصمته و انطوائه، و عزلته،كان قليلا الكلام،كتوما،شديد التحفظ،يختار الانزواء في ركن من المقهى،يبدو للحاضرين شارد الدهن،طوال الوقت،غير أنه لم يكن كذلك،كان يختلي بنفسه،لترتيب احداث و وقائع حكاياته المثيرة و الشيقة،التي سيسردها على رواد حلقته فيما بعد،بكثير من الحنكة و المهارة..ظل لغزا محيرا،لرواد المقهى..بعد أسابيع،قرر مغادرة المكان،بسبب اللغط و الضجيج، و نظرات الفضوليين و تساؤلاتهم..المكان لم يكن يسمح له،بترتيب أفكاره،و استرجاع احداث حكاياته..لغط المقامرين، وشجارهم الدائم،الذي ينتهي بالسب و الضرب،لم يدع له مجالا للبقاء،فقرر الرحيل عن المقهى..يتبع/حسن ادحجي.

واقع العمل الجمعوي بتيزنيت..

القناعة الراسخة التي خرجت بها من تتبع الفعاليات الرمضانية،التي نظمت بفضاء أسرير،و من النقاشات التي واكبتها،القناعة هي أن ما يميز الساحة الثقافية و الفنية و الرياضية في مدينتنا،هي التشردم،و الانقسام،و الصراعات الشخصية، و تبخيس جهود الآخرين،و نكران فضل و تضحيات السابقين،او الجهل بها،بالاضافة الى غياب التواصل،بسبب انعدام التواضع  وتضخم الأنا الى حد الانفجار،،بل اعلان الحرب على اي تجربة،و النظر اليها باعتبارها منافسا وخصما،بدل احتضانها، وتبنيها باعتبارها اضافة للمشهد،و اغناء له،فالكل -الا أقلية قليلة جدا-،يعتبر نفسه،الوحيد في الساحة،و الآخرون لا شيء،مما ولد التقوقع،و الانغلاق و النزعة الاستعلائية،و النتيجة ماثلة للعيان،تراجع في الرياضة،في السينما،في المسرح،في العمل الجمعوي ككل،وضياع جهود و تضحيات اجيال كثيرة قدمت الكثير،دون مقابل،و مضت في صمت ..أيها الفاعلون،تواضعوا قليلا،استمروا في التعلم،شجعوا بعضكم البعض،ثمنوا جهود بعضكم،فالمدينة صغيرة و لا تتحمل كل هذه الحزازات و الاحقاد٠٠٠

لحظة وداع..الى روح والدي الطاهرة..

كانت روحه ترفرف في المكان،ظل لساعات يحدق في الفراغ،ثم التفت الى احدى زوايا الغرفة،وندت عن شفتيه ابتسامة،كنا ننظر اليه واجمين،و نحن في ذهول،كان يشير الى نفس الركن،يحاول ان يتمتم بكلمات،لكن عبثا،كانت كلماته تختنق في المهد،لم يستسلم،ظل يحاول أن يقول شيئا،أن يبعث بإشارة،تابعنا شفاهه وهي تتحرك ببطء،لم ننجح في فك الشفرة،تمنينا ان نسمع كلامه،فقط هذه المرة،ولو لثواني قليلة،أحسسنا انها رسالته الاخيرة،رسالة وداع،اقتربنا منه أكثر،ابتهلنا و توسلنا في صمت،أمسكت بكفه،احسست بها باردة،بريق عينيه الذي ظل مشعا،بدأ يخفت شيئا فشيئا،وزع نظراته على وجوهنا ببطء،كما لو كان يودعنا،يضمنا بحرارة،شيء من الرضى و الاطمئنان ظل باديا على محياه،أحسسنا جميعا بهول الفاجعة،ثم أطبق جفنيه،وحلقت روحه،عاليا عاليا في السماء...

الخميس، 15 سبتمبر 2016

مذكرات مدرسة الحسن الأول / الجزء الرابع

.. نغادر المدرسة بعد صافرة المعلم، يتناوب المعلمون على اداء هذه المهمة،اسعد لحظة،أروع صافرة صافرة الخروج،لها وقع خاص في آذاننا،لها جرس مميز، نسرع الخطى ،نسير بهمة و رشاقة عاليتين،عكس الكسل و التثاقل الذي يطبع الدخول، لا يكاد الباب يلفظنا،حتى نتحول الى عفاريت،خرجت للتو من قماقم،أو أباريق..صياح ،و صراخ و جري و ركض،مطاردة هنا وهناك،،هل كان الصمت الذي يخيم علينا في قاعات الدرس، هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟كل الضغط الذي مورس علينا،يتفجر الآن ضجيجا،و ركلا و رفسا فيما بيننا،سلوكات عنيفة أحيانا في شكل ألعاب ،،نجد في الطريق حشائش و أعشابا،نبحث بينها عن أزهار الأقحوان،نقطفها،ثم نبدأ في نزع وريقاتها،البيضاء او الصفراء،او البرتقالية،ثم نتسلى بلعبة ناجح/ماناجح، تخذلنا الزهرة،و نرسب في الامتحان،ندهسها بأقدامنا و نحن نلعن حظنا العاثر،نكرر التجربة،نعاود قطف زهرة أخرى،ناجح/ما ناجح،الى أن نحصل على بغيتنا،الى أن ننجح،فنعبر عن فرحتنا،و نرقص لنجاحنا،كنّا مستعدين،لنحصد حقلا بكامله من زهر الأقحوان،لنحصل على النجاح الذي ظل يعاندنا،،الخروج مساء من المدرسة،فرصة لتناول القليل من الزاد،قطعة من الخبز المغموس في الزيت،أو حبات برتقال،،تتحسس جيبك،تطمئن على البرتقالة اللذيذة،تلتفت يميناً و يسارا،تشعر بالأمان،تسحبها برفق،ما تكاد تقضمها لتنتزع قشرتها،حتى تمتد نحوك الأكف و الايادي،كأن الأرض انشقت و انبعثت منها هذه العفاريت،وتبدأ عمليات التسول و الاستجداء،هذا يبسط كفه لك،و هو يردد لجنت/لعذاب،لجنت/لعذاب،يرددها دون أن يمل،آخر يردد ،عافاك إيميك،و الاخر يمطرك بوابل من الدعوات،لمنحه القليل منها،،تفكر،تجد أن البرتقالة التي طالما تحسست ملمسها الجميل و أنت في القسم،و تلذذت بمذاقها الحلوباتت في خطر، وأنها لن تسع هذه الأفواه الجائعة،تغير رأيك،تفكر في حيلة،تسكت بهااستجداءهم المتواصل، تقول لهم عذرا،لن آكلها، سأمصها،يشعرون بالخيبة،يقترب منك أحدهم ،يفاجئك قائلا:حين تمتصها،إمنحها لي،أنا انتظر..يضحك الآخرون من ذكائه و شراهته،تمنحها له،بعد تجفيف ينابيعها،نواصل الطريق وسط ضحكاتنا و قهقهاتنا..

مذكرات مدرسة الحسن الاول/الجزء الثالث

بدءا من المتوسط الأول (الرابع)،ستتحول المدرسة بالنسبة لي، و لأقراني،الى سجن كبير،ستصبح دروس الحسابtable de multiplication أكثر تعقيدا،و دروس الفرنسية أكثر غموضا،العمليات الحسابية التي كانت بسيطة و في متناول فهمنا في الأقسام الأولى،تعقدت حين انضافت اليها عمليات الضرب والقسمة،،كنت اتساءل لماذا سميت العمليات الحسابية بجدول الضرب،وليس الطرح او الجمع،أو القسمة؟في البداية حرت جوابا،لكن بعد أن  أصابني،في عمليات الضرب، ما أصاب الطبل يوم العيد،أدركت الحقيقة،و فهمت السبب،كان عليهم تسميتها بعمليات الضرب المبرح،كل الدفاتر مزينة،على الواجهة فهد يحتضن كرة،شبيهة بكرة ارضية،تتقاطع عليها خطوط ،وعلى ظهرها جداول حسابية،،الأغلفة الحمراء التي يحلو للمعلمين اختيارها لدفتر الحساب ترعبنا،،حاولت مرارا حفظ جدول الضرب،لكني في كل مرة كنت أفشل،الفشل كان ذريعا،و الضرب مؤلمًا،،أذكر أننا كنّا نتهيأ لحصة الفرنسية،للحساب العسير الذي ينتظرنا،بتسخين أيدينا،و تدفئتها،ترقبا للأسوإ،كنّا نوقد النار في أيام البرد،خلف المدرسة،نمد أيدينا طلبا للدفء،احيانا نكتفي،بحكها مع بعض،أو وضعها تحت الإبط،،كلها استعدادات  لتخفيف الضرب الذي سينالها حتما ، الأمر يزداد سوءا،حين تكون أيدينا متشققة بفعل البرد القارص،تتحول التشققات على ظاهر اليد الى جروح دامية،،تجعل الكتابة مؤلمة،أي تقلص جعل التشققات تتسع،تتمدد،،يشتد الألم،كنّا ندهنها بالزيت ،،لاتتوقف معاناتنا،مع انتهاء حصة الحساب،بل تتواصل بشكل أكثر ضراوة مع درس الصرف conjugaison ،بالكاد نحفظ تصريف فعل الى زمن معين،فنفاجأ بالمعلم يطالبنا بأواخر الأفعال les terminaisons،كانت معاناتنا فضيعة مع هذين الدرسين،درس الحساب،و درس الصرف،دروس تُشعرنا برعب حقيقي، تولد فينا إحساسا بكراهية المدرسة،و حقدا دفينا على المعلم،،تنتابني أحاسيس مخيفة،كنت أتخيل ريشة الفرنسية الرقيقة رمحا،أو سيفا،و المحبرة قذيفة،،أطرد هذه الأفكار الشيطانية،،أنظر الى السماء،من نافذة القسم،أتابع سربا من الطيور،يحلق في الفضاء الواسع،اغبطها على حريتها، أحلم أن اكون طائرا،أحلق ،أطير الى أبعد مدى،حيث لا معلم بعصا، لا جدران،لا لوح،لادفتر،لاجدول ضرب،،يعيدني صراخ المعلم  الى الدرس،،أؤجل أحلامي الى حين،أفكر بالهروب ، أشرع في التخطيط للهروب، الهروب الكبير..

مذكرات مدرسة الحسن الاول/الجزء الثاني

كان ذلك في مدرسة الحسن الاول،أواخر الستينات،في الابتدائي الثاني ومعلم الفرنسية يدعى سي (ب/أ)كان رحمة الله عليه حريصا أشد الحرص، على تعليمنا و تربيتنا في آن،بل يضع التربية في المقام الأول ،أتذكر انه كان حريصا على ان نلتزم قواعد النظافة في ملبسنا و مأكلنا ومشربنا وان نؤدي الصلاة في أوقاتها،و ،كان يامرنا عشية كل خميس،بتخصيص يوم الجمعة،وكان يوم عطلة، للاغتسال وحلق الشعر و تقليم الاظافر،وتنظيف الأسنان و اداء صلاة الجمعة في الجامع الكبير،و للتأكد من التزامنا بتلك القواعد الصحية و التوجيهات كان يكلف احد التلاميذ بتسجيل الحاضرين وضبط المتغيبين عن الصلاة، لذا فقد كنّا حريصين على الجلوس قرب التلميذ المكلف بتلك المهمة حتى لا نجد أنفسنا في لائحة المتغيبين، و الويل لمن تغيب دون مبرر مقبول عن صلاة الجمعة،فالفلقة في انتظاره٠في اليوم الموالي اي السبت يخصص المعلم آخر الحصة لتتبع و التأكد من التزامنا بتلك الضوابط،بحيث يدعونا للوقوف امام السبورة،نقف مطأطئي الرؤوس،مثل انقلابيين فاشلين،أمام كتيبة إعدام،ويشرع في تفتيشنا كأي جمركي في نقطة تفتيش،كان التفتيش دقيقا يتركز أساسا على الاظافر والشعر و العنق مع نظرات حادة وصارمة لملابسنا، لم يكن يأبه للرقع التي تخفي بعض الملابس الممزقة، لم يكن يؤاخذنا على ذلك،فتلك كانت طبيعة ملابس تلك الحقبة،أي رتقها و اعادة استعمالها،لذلك ، كانت رؤية الشخص بجلباب او فوقية،خلفها شاشة من ثوب مشابه، مشهدا مألوفا،لا يثير فضول أحد،،كان حرصه أكثر على النظافة،لا يقبل أبدا أن نكون متسخين،اوتكون ملابسنا رثة،كان يسير ببطء و هو يفحصنا،بينما كانت قلوبنا تخفق بشدة،وكلما تجاوز أحدنا إلا وتنفس الصعداء٠٠بعض التلاميذ يرسبون في هذا الامتحان،فنشفق لحالهم،،كثيرا ما ينتهي التفتيش باكتشاف قمل يرعى في رأس أحدهم،فينفجر المعلم في وجهه غاضبا،مهددا و متوعدا،،لم يكن الأمر يشكل فضيحة،فلكل واحد منا نصيبه من هذه الحشرات اللعينة،التي تعشش في رؤوسنا،و كانت أمهاتنا تحرصن على البحث عنهاعلى سحقها،و رؤوسنا منحنية خاضعة،بل كنّا نستمتع بطرطقتهابين أظافرهن،،أحيانا لا نجد وسيلة للتخلص منها،غير الذهاب الى المدرسة برؤوس حليقة،بعد نسف تلك المراعي التي تعشش فيها..كان معلم الفرنسية مدرسة في التربية و الأخلاق،رحمة الله عليه.

مذكرات مدرسة الحسن الاول /الجزء الأول

أغادر البيت مبكرا،متجها الى المدرسة،وأنا أتأبط محفظتي الجلدية،تقع هذه الأخيرة خارج أسوار المدينة القديمة،نقطع مسافة طويلة للوصول الى الحي الاداري ،في أيام البرد و المطر نسلك دروب الراميقي الضيقة و الملتوية،نمر بسوق سي بالعيد،لنحتمي برصيفيه المسقوفين،و قد نسلك طريقا آخر ،و هو السير بمحاذاة السور القديم،وصولا الى باب لعواينة،ثم نجتاز فضاء خاليا من المباني ،لنصل الى المدرسة،لهذا نتأخر أحيانا،للتأخر عن المدرسة سبب آخر،غير بعد المسافة و التثاقل، كانت هناك آلة كبيرة تستعمل في أعمال البناء،تستخدم لخلط المواد قبل استعمالها ، تركت بعد انتهاء الأشغال مهملة بعد تعطلها قبالة المؤسسة، ظلت هناك  جاثمة لشهور ان لم يكن لسنوات،وكنا نتسابق نحوها،و نتسلق أذرعها الحديدية،و نحن نحاذر من السقوط،كانت لعبة جد مسلية في غياب فضاءات الألعاب،و حينما نفرغ من اللهو على تلك الآلة الحديدية،ننتقل الى لعبة الرماية، كنّا نبتعد عنها  لمسافة معينة،ثم نتخذهاهدفا لحجارتنا،نقوم بقنصها،و نحن نستمتع بوقع و رنين الحجارة و هي تصيبها،رنين أشبه بدق الأجراس، و الويل لمن تضبطه عيون السيد المدير،وهو يتسلقها،او يحوم حولها،فما ينتظره كان قاسيا،و قد تكون تلك الوليمة التي تنتظره في مكتب المدير،آخر عهده بالآلة العجيبة،بل باللهو و اللعب في محيط المدرسة..
كان مدير المدرسة ببدلته العصرية و بطربوشه الأحمر المغربي،يقف بجانب بوابة المدرسة،و هويصرخ  و يصيح بأعلى صوته dépéchez-vous mon vieux،كان يحلو له أن يرددها على مسامعنا،خاصة في الفترة الصباحية،حيث يغلب الكسل و التثاقل على حركتنا، و يغيب النشاط،كنّا لا نزال نغالب النعاس،،كان يرددها ليحثنا على الإسراع و الهرولة للإلتحاق بطوابير التلاميذ،الذين ينتظرون إشارة المعلم لدخول قاعات الدرس، يصل المتأخرون،يقفون خلف الطابور،ثم يدخلون تباعا الى القاعات،بلا رغبة و لارضى، ندخل و نحن نتحسس رؤوسنا و وجوهنا،مخافة أية ضربة طائشة،أو صفعة غاشمة، من المعلم الذي لا تفارقه عصاه، نضرب لسبب غالبا لا نعرفه،حتى باتت المدرسة مرادفة للسجن،و قاعات الدرس مرادفة لغرف التحقيق و التعذيب،وبعض المعلمين لجلادين،يتفننون في ايذائنا،لأتفه الأسباب،لأدنى إشارة او حركة،،بأيادي مرتعشة نفرغ المحفظة الجلدية،من محتوياتها المدرسية،نرتبها على المقعد بعناية فائقة،ترقبا لجولة المعلم بين الصفوف، لمعاينة مدى التزامنا بإحضارها، و وضعها في مكانها..اثناء سيره بين الصفوف،و معاينته لأدواتنا،كانت قلوبنا تخفق،يسمع لها ذوي شبيه بذوي طبول الحرب...

السبت، 10 سبتمبر 2016

حينما اكتشفنا موهبة ادبية اثناء تصحيح الامتحان..

الواقعة التي ساحكيها تعود الى عشر سنوات خلت، الزمان شهر يونيو،المكان إعدادية الوحدة،الشخوص اساتذة اللغة العربية  ، اما الحدث فهو التالي: كنّا منهمكين في تصحيح اوراق الامتحان الجهوي مستوى الثالثة إعدادي ، كنّا ثلاث مجموعات،تشتغل كل واحدة منها بطريقة السلسلة،بحيث يتولى كل أستاذ تقويم مستوى من مستويات الامتحان،ليمرر بعدها الورقة لزميله لتقويم المستوى الموالي وهكذا دواليك٠٠فجأة توقفت العملية للحظات،بعد ان كانت تتم بشكل انسيابي ،سلس،كان احد الأساتذة يقرأ ثم يعيد القراءة، قبل ان يسلمنا الورقة، طالبا منا قراءة الاجوبة،و نوعية الخط الذي كتبت به،كانت دهشتنا كبيرة، ونحن نراجع الورقة،اسلوب اكثر من رائع،تعابيرممتازة،لانقرأها عادة الا عند الكتاب الكبار،ناهيك عن الخط الجذاب...ما اثار استغرابنا اكثر،هو خلو الورقة من اي خطأ.بدأ الشك يساورنا في أمر هذه الورقة الفريدة من نوعها،قمنا بتمرير الورقة لاعضاء اللجنتين الاخريين،كان الانطباع نفسه،الدهشة و الانبهار٠٠بعد التداول في امر الورقة،اجمعنا على العثور على صيد ثمين،كان هناك شبه اجماع على ان الامر فيه غش او تسرب، اذ بدا لنا مستحيلا ان تصدر تلك الاجوبة من تلميذ في الثالثة إعدادي،دعونا المشرف التربوي،لاطلاعه على الأمر، جاء على عجل،قرأ الورقة، ثم أبدى ملاحظات تصب هي الاخرى في التشكيك في امر الورقة،غير ان تجربته في الميدان،جعلته يتريث قليلا، أخذ ورقة،سجل رقم الامتحان، ثم غادر بعد ان وعدنا بالرجوع بالخبر اليقين٠٠٠بعد لحظات عاد ليؤكد لنا ان الورقة تعود لصاحبها، وأنها سليمة من اي غش، وكان قد انتهى الى هذه القناعة، باللجوء الى باقي اللجان التي تتولى تصحيح الامتحان الجهوي في المواد الاخرى،كان يسأل عن الورقة التي تحمل نفس رقم الامتحان،ليجد نفس الخط،وليؤكد له أعضاء تلك اللجان، أن صاحب الورقة مميز جدا٠٠٠تحول تشكيكنا الى فضول لمعرفة صاحب الورقة،كان يستحق التقدير و الإعجاب ،كان يحمل مواهب ادبية حقيقية..بعد الواقعة بأسابيع،التقيت بالسيد المشرف التربوي،سألته عن تلك الموهبة،فكشف عن اسمها، كانت لتلميذة تدعى وئام المددي،تتابع دراستها بأعدادية مولاي سليمان...صدقت تنبؤاتنا،بخصوص موهبتها الفذة، اذ بعد اربع سنوات ستفوز بجائزة اتحاد كتاب المغرب لإبداعات الشباب،في صنف القصة القصيرة،قبل ان تَخَلَّق الحدث،في السنة الماضية،من خلال فوزها بجائزة الطيب صالح لافضل رواية عربية،لاتمنح عادة إطلا لكبار الكتاب و الروائيين العرب٠٠٠

من طرائف القسم ..واقعة احمد شوقي

من الوقائع الطريفة و الصادمة في آن، و التي مرت بي وأنا في الفصل الدراسي،قبل سنتين او ثلاث، اننا كنّا ننجز درسا قرائيا،فجرنا الحديث عن مؤلف النص، للحديث عن الأدباءر الشعراء،فسألتهم -لأتبين مدى اطلاعهم و درايتهم بشؤون الأدب - عن نجيب محفوظ باعتبار شهرته و احرازه جائزة نوبل في الآداب،لكن تلامذتي أنكروا معرفتهم به،او سماعهم بهذا الاسم، فسألتهم عن عبدالمجيد بن جلون،فكان الرد الإنكار،ففكرت في شخصية ادبية اكثر شهرة و تكاد نصوصها تحضر باستمرار في اغلب الكتب المدرسية،فطرحت اسم احمد شوقي،و من لا يعرف أمير الشعراء، وما كدت انطق باسمه،حتى ضجت قاعة الدرس بمعرفته، بل و تهللت اساريرهم ، فاستبشرت خيرا،فقلت ماذا تعرفون عنه؟وانا اقصد بالسؤال ، ما يمكن ان تختزنه ذاكرتهم من أشعاره، فكان جوابهم الذي اهتزت له جدران القسم،و بلسان واثق :إنه مغني مغربي!!تساءلت مندهشا،ماذا؟ أعادوا بصوت واحد مطرب مغربي!!!توقفت لحظة مشدوها،وقد لاحظوا استغرابي،و لاشك انهم سخروا من جهلي بمطرب مغربي مشهور،أبدى البعض منهم استعداده لأداء مقاطع من اغانيه٠٠٠لعنت جهلي ب" ثقافة العصر"و اكتفائي بثقافة الكتب،التي تتحدث عن مثل و قيم و مبادئ ظلت تنحسر و تتراجع عن عالمنا،فاسحة المجال لأغاني و رقصات تخاطب الجسد و تدغدغ المشاعر٠٠ترحمت على أمير الشعراء، لم اسألهم عن مي زيادة،او نازك الملائكة،حتى لايصدموني بقولهم، أنهما راقصتان في ملهى ليلي ٠٠٠

حقيقة و معنى تيكشبيلة تيوليولة

حقيقة و معنى اغنية "تِكشبِيلة تِوليولة…ما قتلوني ما حياوني…داك الكاس اللي عطاوني…الحرامي ما يموتشي…جات خبارو في الكوتشي…"

من منا لم ينشد هذه الأغنية عندما كان صغيرا؟ لكن هل نعلم معنى كلماتها و المأساة التي تنطوي عليها؟

أترككم مع ما أخبرنا به الأستاذ حمزة الكتاني، نجل شهيد قرطبة الأستاذ علي المنتصر الكتاني، في منتدى "الأندلس" مفسرا معاني كلمات هذه المقطوعة الشعبية:

"أذكر أن الوالد رحمه الله كان يقول لنا بأن هذه من أغاني الموريسكيين والأندلسيين المهاجرين من الأندلس، يصفون فيها مأساتهم ومعاناتهم في الطريق…ومعاني ألفاظها:

طريق إشبيليا، يرجعون إليها - يعني النصارى والعلوج - ما قتلوني وما أحيوني من كثرة العذاب، فلا أنا بالحي ولا أنا بالميت من كأس الويل التي تجرعتها، ابن الحرام هذا - يعني العلج - لا يموت، وقد جاءت أخباره في الكوتشي، والكوتشي: وسيلة نقل معتمدة على حصان صغير يجر عربة…

والعجيب، أن الأطفال المغاربة، خصوصا الموريسكيي الأصل، يغنونها وهم يرقصون ويد الواحد مع يد الآخر، وهما متقابلان…"

فـ "تِك شبيلة" تعني "طريق إشبيلية"، و ربما المورسكيون الذين هاجروا إلى المغرب آنذاك قد غلبت على لسانهم العجمة فكانوا ينطقون القاف كافا، ثم تلقفها المغاربة جميعا بعجمتها.

"توليولها" رغم أن الأستاذ حمزة الكتاني فسرها بأن النصارى هم من سيولون إليها، إلا أني أميل إلى اعتبار الضمير عائدا إلى الأندلسيين، و هنا يصبح المعنى "تكشبيلة تولِّيو لها" "طريق إشبيلية ستعودون لها". و هذا تعبير عن حنين الأندلسيين إلى العودة إلى أرضهم بإشبيلية.

"ما قتلوني ما حياوني…ذاك الكاس اللي عطاوني" أثناء تهجير المورسكيين من الأندلس، كان بعض النصارى يجبرونهم على شرب الخمر حتى يسمحون لهم بالمرور، زيادة في احتقارهم و إذلالهم،
ملحقة مدرسة الحسن الاول بتزنيت/قسم الابتدائي الاول/الموسم الدراسي 1968-1969.

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

خلال تقديم  الكاتبة و القاصة المغربية لطيفة باقة لجمهور مدينة تيزنيت, في اطار انشطة جمعية الشعلة للتربية و الثقافة..

سينما القوافل،او سينما الهواء الطلق

القوافل السينمائية،أو سينما الهواء الطلق التي كنّا نترقب إطلالتها على مدينتنا بشغف كبير خلال الستينات و السبعينات. .في هذه الحلقة من ذكريات الطفولة، سأحدثكم عن علاقتي و علاقة جيلي بالسينما٠عرفنا السينما،من خلال تجربة القوافل السينمائية،التي كانت تجوب المدن والبوادي لتقديم بعض الأفلام السينمائية٠الأمر يتعلق بشاحنة او ناقلة تحمل معدات و آليات العرض السينمائي،تأتي الى مدينتنا،ثم تجوب الأزقة و الشوارع،مطلقة العنان لمكبرات الصوت،للإعلان عن موعد العرض و مكانه، كنّا نركض خلفها ونحن نهتف و نَصِيْح تعبيرا عن فرحتنا بقدومها.في المساء نتجمع في الساحة، غالبا في الفضاء الفسيح المقابل، لباب لعواينة، الذي يستعمل ايضا مهبطا للطائرات الصغيرة التي تستعمل لمكافحة الجراد٠كان الحشد كبيرا،كنّا نتحلق حول شاشة عملاقة،جلوسا و وقوفا، الى جانبها الشاحنة المجهزة بآليات العرض، اذكر أن الاشرطة المقدمة، يغلب عليها الطابع الإشهاري،هي إعلانات تجارية لمنتوجات غذائية،او أدوات تنظيف،كما يتم تخصيص حيّز كبير لنشرة اخبارية ذات طابع رسمي ،تعدها وزارة الأنباء،بأصوات مذيعين كبار،أمثال الطاهر بلعربي،الصديق معنينو،و بن دادوش،،تتمحور حول أنشطة ملكية، او حكومية..وبالرغم من خلو تلك الاشرطة من الأفلام السينمائية غالبا،باستثناء بعض أشرطة شارلي شابلن،، فإن شاشة العرض العملاقة،تبهرنا و تشد أنظارنا بمشاهدها الساحرة، و الأخاذة،كما ان الأصوات التي تصدح بها مكبرات الصوت،تزيد الفرجة إبهارا ودهشة،كان هدير آلة العرض يصم الآذان، و أذكر أننا كنّا نقاطع الصور و المشاهد بالتصفيق، او بالضحك،كان الجمهور من مختلف الأعمار،وعلى الرغم من ان العروض تقام في الهواء الطلق و في العراء، فضلا عن انخفاض درجات الحرارة ليلا،فإن سحر الشاشة و دفأها،يبدد تلك الظروف الصعبة.كانت فرجة حقيقية لجيل حرم من المسرح و السينما،اما اجهزة التلفاز فكانت نادرة،الى درجة، ان الناس يعرفون أصحابها، وهم غالبا من علية القوم.ينتهي العرض،تحت وابل من التصفيق،تنطفئ الاضواء،و تنطفئ معها سعادتنا،التي امتدت لساعتين او ثلاث،يتفرق الحشد،نعود الى بيوتنا،عبر دروب ضيقة،و تحت اضواء شاحبة، و تستمر الفرجة في اذهاننا ومخيلاتنا اياما و ليالي عديدة،قبل ان تختفي،ولا تعود إلا مع عودة القافلة السينمائية٠٠
جبان كل و بان ، احدى حلويات زمن الطفولة.. 

لعبة الجفنة

احدى الألعاب المسلية التي نقبل عليها ونحن صغار،ونحرص على المشاركة فيها سعيا رواء ربح بعض القطع النقدية، كنّا نلقي قطعا نقدية،غالبا من فئة عشر سنتيمات،في هذا الحوض المائي ، مع الحرص على أن تقع القطع النقدية على القطع الخشبية الدائرية،هذه القطع تحمل أسفلها أرقاما،هي بمتابة المبلغ المالي الذي يربحه الفائز،،صاحب اللعبة،يحرص على وضع رقم كبير يكون بمتابة طعم،لدفعنا لمواصلة اللعب طمعا في ربح ذاك المبلغ،بعض القطع الخشبية لا تحمل غير الأصفار،،هذه الألعاب و غيرها ترتبط غالبا بالمواسم /الموكار او ايام المعرض السنوي la foire..الكثيرون سيتذكرون هذه اللعبة بكل تأكيد..

صفارة المشمش



كم كنّا نحب فاكهة المشمش!ليس لمذاقها الحلو و اللذيذ فحسب،بل لسبب آخر لايعرفه غير أبناء جيلي، يمضي موسم المشمش سريعا،اذ لا يتعدى أسبوعين،أو ثلاثة،لكننا نحتفظ منه بأشياء و ذكريات جميلة..كنّا بعد أكل المشمش بشهية،نحتفظ بنواته/عظمه، كنّا نسير بمحاذاة الحائط ،و نحن نحك النواة معه،محدثين خطا واضحا في الجدار،قد يستغرق المشي و الحك مسافة طويلة،الى أن تصبح قشرة النواة حامية ، ثم رقيقة ،ثم يحدث الحك ثقبا صغيرا،فنستعمل مسمارا صغيرا،أو دبوسا/فليل،لإخراج ما بداخل النواة،بعد تنظيف النواة من الداخل، نحصل على صافرة/صفارة،أفضل من الصافرة البلاستيكية ،من حيث القوة و الجودة،نشعر بسعادة غامرة و نحن نملأ الكون صفيرا..كنّا نصنع ألعابنا بأنفسنا، كنّا نصنع أفراحنا من لاشيء،أشياء بسيطة بساطة حياتنا..# من قاع الخابية#

وادي توخسين بتزنيت

                                   

إكي واسيف قبل النكبة أو الدمار الحالي،،وادي توخسين وهو يخترق مدينة تيزنيت،و يشطرها شطرين ،ضفة شرقية و ضفة غربية،تربطها جسور غير متباعدة، في الوادي حشائش و أعشاب ، و نبات السمار بعيدانه الطويلة الخضراء،وجدول مائي دائم الجريان،ينساب بسلاسة و دعة نحو بساتين "دو تركا"، بساتين الزيتون، و الكروم،،في زمن الأمطار الغزيرة،كان يحلو لنا أن نقف على الجسور او السور القصير،لنتفرج على مياه الأمطار المختلطة بالاوحال، وهي تخترق المجرى حاملة معها الاخشاب و الأشجار ،و الحيوانات النافقة التي جرفها الوادي في طريقه،وهو يندفع بقوة و سط هدير صاخب،،لم يحدث أبدا أن فاضت مياه الوادي على المدينة، فعرضه الشاسع،وعمقه الكبير كان يسمح بحماية المدينة من أخطار الفيضانات، ،،الى أن تفتقت عبقرية بعض الخبراء الى طريقة لطمره وإعادة هيكلته،و استبداله بقنوات ضيقة،وتحويله الى شارع عشوائي ومزدحم ،تحفه من الجهتين الكثير من الدكاكين ،معرضين ساكنة المدينة مع كل شتاء،لأخطار كبيرة،و أهوال فظيعة..

الخميس، 8 سبتمبر 2016

لعبة دينيفري

                                       
من الألعاب المسلية التي كنّا نمارسها بشغف و نحن أطفال،لعبة "دينيفري"،من منا لم يمارس هذه اللعبة التي تجمع بين سرعة الركض،و القدرة على التنكر و التخفي! كان يحلو لنا ممارستها ،حينما تكون ساعات الليل طويلة و ممتدة في ليالي الخريف و الشتاء،مما يسمح بالتخفي و الاختباء،،تتم لعبة "دينيفري" بأن ننقسم الى مجموعتين،مجموعة تتولى مهمة المطاردة و البحث، ومجموعة تتولى مهمة الهروب و الاختباء،و تنتهي اللعبة بإلقاء القبض على الهاربين،الواحد بعد الآخر،و حجزهم في مكان متفق عليه،هو بمتابة خط وصول أو "كور"،لكن عملية الحجز تنتهي أو تفشل،بمجرد نجاح أحد الهاربين،من التسلل و المرور من مكان الحجز/خط الوصول،و هو يردد بأعلى صوته "دينيفري"،معلنا بذلك تحرير زملائه،و لتبدأ المطاردة من جديد،،ولتنجح عملية التحرير هذه،يلجأ بَعضُنَا،امعانا في التنكر، الى التخفي في زي النساء،او تقمص دور عجوز بعكاز، ثم يقتحم المكان دون أن ينتبه لوجوده أحد،وقد تتم العملية بالسرعة و قوة الاختراق،و بذلك يتمكن من إطلاق سراح زملائه من الحجز وسط صيحات الفرح.اللعبة فرصة لاكتشاف خبايا و دهاليز حي الراميقي،و البحث عن مكان آمن للاختباء..كنت دائما اتساءل عن سر و معنى كلمة "دينيفري"،الى أن أخبرني احد الزملاء الأساتذة عن أصل الكلمة و معناها، لأكتشف أن معناها فرنسي ويعني délivrez، اي Rendre libre،أي تحرروا من الأسر، إلا أن الكلمة تعرضت –شأن الكثير من الكلمات الأجنبية- لتحريف في النطق لتصبح "دينيفري ".فهل اللعبة من مخلفات وبقايا ثقافة فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب؟

الصندلة صديقة الطفولة و رفيقة الدرب خلال الستينات و السبعينات.من يتذكرها من أبناء ذاك الجيل؟من منكم لديه ذكرى معها؟

كرة لكارو Ballon Aux Carreaux


                 
                   
كنّا نسميها كرة لكارو Carreau، لكثرة المربعات التي تزينها،كانت معشوقتنا،بل معبودتنا في الستينات و السبعينات،كنّا نعشقها لثمنها الرخيص ، ولوزنها الخفيف الذي يتناسب مع سيقاننا و أقدامنا الصغيرة و النحيفة، كنّا نركض خلفها ونحن ننتعل صندلاتنا، لساعات دون كلل أو ملل، خفتها ،و سهولة اللعب بها،تدفعنا للعب بها حتى في الدروب و الأزقة، مما يسبب لنا الكثير من المشاكل مع الجيران،خاصة في أوقات القيلولة،حين يخلد الآباء لاغفاءة قصيرة قبل العودة لأعمالهم، حينها كنّا نحن نجري مباراة في الدروب الظليلة ،نتخذ بعض الأبواب مرمى ،فيخرج صاحب البيت/المرمى شاهرا عصاه،بعد توالي الأهداف،فنطلق سيقاننا للريح تلاحقنا صيحاته و لعناته،و قد تقع كرة لكارو في قبضته،فيعيدها إلينا قطعا ممزقة... في ملعبنا المعتاد ب باب أكلو،كنّا نلعب كرة لكارو،دون تحديد سقف زمني للعب،و لشدة المنافسة بيننا،تنضاف اليها بعض الخصومات و العداوات،قد تستمر المباراة الى ان يحجب الظلام رؤية الكرة،تحت إلحاح الفريق المهزوم،الذي يرفض إنهاء المقابلة قبل تحقيق التعادل،،الهزيمة تكون دائما مرة،خاصة و أنها تكون مصحوبة بسخرية المنتصر،واستهزائه من المهزوم.مشكلة أخرى تعترضنا ، حين تكون الكرة في ملك شخص واحد،هذه الملكية تجعله الآمر الناهي،نجد أنفسنا تحت رحمته،يختار فريقه،يسدد الكرات،يسدد ضربات الجزاء،تسديداته و لو كانت طائشة تستدعي التنويه و التصفيق،نتجنب إيذاءه،أو مضايقته،يجتاز المدافعين بسهولة،،،،كنّا حريصين على عدم إزعاجه ،، وحين يغضب، يسحب كرته، و يغادر، و كثيرا ما فعلها،و جعلنا نعاتب من يقف وراء غضب مول لكرة،نترجاه،و نستعطفه أن يعود، لإتمام اللعب،،لمالك كرة لكارو شخصية و مهابة و سلطة علينا جميعا،لا نتخلص منها إلا حين نجمع المال و نشتري كرة لكارو،إذاك نشعر باستقلالنا التام ،لنلعب كما يجب أن يكون اللعب،لا كما يرغب مول لكرة..# من قاع الخابية