الخميس، 30 مارس 2017

ذاكرة أمل تيزنيت 2

الذاكرة الرياضية/ذاكرة نادي أمل تيزنيت لكرة القدم/الحلقة الثانية/ حينما يكون خصم أمل تيزنيت،احدى الفرق القوية كشباب ايت ملول،او اتحاد كسيمة انزكان،فإن تيزنيت تتحول الى مدينة اشباح،خاصة و أن هذه المقابلات تسبقها دعاية كبيرة،اذكر ان سيارة كانت تجوب الشوارع و الأزقة عشية المقابلة،للإخبار بمكان و موعد المباراة باستخدام مكبر صوت يصم الآذان، كان الإخبار ينتهي دوما بعبارة "هلموا لتشجيع فريقكم المحلي"، كما أن هذه المباريات القوية و الحاسمة، ،تجعلنا لانقنع بالدقائق الاخيرة  التي يسمح لنا بمتابعتها،،بل نبذل قصارى جهدنا،لحضور المقابلة كاملة،لأن الفرجة كانت مضمونة،فالعارفون بجغرافية المكان،من سكان الأحياء المجاورة للملعب،يتسلقون السور التاريخي للمدينة، ويتابعون المباراة من شرفاته،او يتسللون الى الملعب عبر قنوات صرف مياه الأمطار،ثم يخرجون من فوهة تقع خلف المرمى مباشرة،ثم يركضون باقصى سرعة للالتحاق بالمدرجات،كما تتحول أسطح المنازل المجاورة الى مدرجات للفرجة،بينما يختار آخرون تسلق الأشجار المحيطة بالملعب ،والتي تقع خارج السياج القصبي،لمتابعة المباراة،البعض الآخر يختاراللحظة المناسبة،مستغلا غفلة الحراس،للتسلل زحفا بعد رفع الحاجز القصبي،،،كل الطرق بما فيها الخطرة، كانت تؤدي الى الملعب،الى معشوقة الجماهير،فعشق نادي الأمل يجعل كل الصعاب و المخاطر هينة..من الفرق التي كانت تتردد على الملعب البلدي لتيزنيت، من أجل منازلة فريقها المحلي ، في إطار مباريات القسم الثالث من عصبة سوس،أذكر من انزكان فريقا اتحاد اكسيمة ، و الفتح، من تارودانت، الاتحاد، و الفلاح،اولامبيك دشيرة، نجم أنزا،نادي بنسركاو،تقدم بيكرى،رجاء اكادير،شباب ايت ملول،تمنار..غير ان اهم المباريات، بالنسبة لأمل تيزنيت، و لجمهورها، و التي شكلت دوما مقابلات ديربي، او كلاسيكو عصبة سوس،هي مباريات الأمل مع اتحاد كسيمة انزكان،و رجاء اكادير و شباب ايت ملول بمدافعها الصلب وعميدها المرعب "بوقال"،مقابلات تعرف الكثير من الحدة و الندية،و غير قليل من الخشونة و الاندفاع البدني،كما تكون مناسبة يظهر فيها اللاعبون مهاراتهم و فنياتهم في المراوغة،كما يتعرض فيها اللاعبون للكثير من الضغوط، ويتلقون فيها وابلا من السب و الشتم من جماهير الفريق المضيف،،هناك خصومة تاريخية بين هذه الفرق،و تنافسا على زعامة كرة القدم في سوس ، هذا الصراع التاريخي، و هذا التنافس خاصة بين الأمل و شباب ايت ملول،كان في الغالب ينتهي نهايات غير رياضية،شجار بين اللاعبين، و تشابك بالايدي،انتهاء باقتحام الجمهور للملعب، و مطاردة اللاعبين، ودائما داخل هذه المقابلات،تقع نزالات ثنائية خاصة بين المدافع بوقال و المهاجم الكبير للأمل الملالي بسرعته وتسديداته القوية،واختراقاته،ولم يكن يجد مدافع ايت ملول لايقافه،غير العنف و الخشونة..احدى النهايات الحزينة لإحدى هذه المقابلات المشحونة وقع في أواخر الستينات،الموسم الرياضي 68/69 تحديدا، حينما،دخل اللاعب الجناح الأيسر و السريع للأمل، ايت جيعا المعروف ب "جامع او ناصر"،في شنآن، و تشابك بالايدي، مع احد اللاعبين،ليقتحم الجمهور الميدان،ليهرب لاعبو الفريق الملولي،في حالة من الرعب و الفوضى،للحاق بشاحنة مركونة غير بعيد من الملعب كانت في انتظارهم،غير أن ثلاثة لاعبين لم يتمكنوا من اللحاق بزملائهم،ليطاردهم الجمهور الغاضب،لمسافة بعيدة في طريق اكادير،غير أن سيارة الأمن،تمكنت من الوصول اليهم قبل أن يفتك بهم المتفرجون الثائرون،و خلصتهم من خطر كبير كان يحدق بهم..يتبع. حسن ادحجي.

ذاكرة أمل تيزنيت 1

بعد ذاكرة السينما،و جزء من ذاكرة المدرسة الابتدائية،سأنتقل بكم الى ذاكرة أخرى،ذاكرة لاتخلو من فرجة و متعة و بهجة، لكنها متعة كثيرا ما امتزجت بالمرارة و الخيبة ،كثيرا ما اصابتنا بالحزن و الاسى،كلما عاكست نتائجها آمالنا و تطلعاتنا..سنتوقف في حلقتين او ثلاث،عند الذاكرة الرياضية، ذاكرة فريق أمل تيزنيت تحديدا،الفريق الذي أحببناه،و لم نعرف فريقا غيره في طفولتنا،لكني قبل النبش في ذاكرتي الرياضية،يجدر بي أن أنوه،الى أني لاأؤرخ للفريق، و لا للرياضة في تيزنيت،بل احاول استرجاع علاقتي كمتتبع للفريق، وشغوف بحضور مبارياته،حينما كنت طفلا، ثم شابا في السبعينات ،و الثمانينات،من القرن الماضي،ما سأكتبه إذن،هو ذكريات و استرجاع صور انطبعت في الذاكرة، و ليس معطيات تستند الى الوثائق و المستندات...كان الفريق يمارس في القسم الثالث،أوالقسم الشرفي،منذ الاستقلال،علما ان تأسيسه يعود لسنة 1948،كواحد من أعرق الأندية في منطقة سوس،ولم يتحقق الصعود الى القسم الثاني الا في سنة 1975، و قد تزامن هذا الإنجاز مع حدث المسيرة الخضراء.اتذكر أننا كنّا نتوجه يوم الأحد ،الى الملعب البلدي،الكائن خلف السور التاريخي للمدينة،قرب باب ايت جرّار،ننتظر خروج اللاعبين من مستودع الملابس، بالمسبح البلدي " فندق ايدو حاليا" ، ننتظر بشغف مرور اللاعبين بقربنا،كنا نتابعهم بأنظارنا بكثير من الإعجاب و الانبهار، لاعبون كبار أمثال حارس المرمى المتألق سيدي فريد، و قبله الحارس البارع الحسين صارا، محمد صارا الملقب ب "لمعلم"،اللاعب المهاري الكبيرامحند الشهير ب "لامبا"و عميد الفريق المدافع الصلب و الأنيق سرحان،إشفاج، الشقيقان محمد و مصطفى سكين،احمد سليم المعروف بالملالي الهداف التاريخي للفريق،ابراهيم برغاز،توادي،جعا المعروف بجامع اوناصر،،اديعز المعروف ب "بلحاج"،شاطبي احمد ،مجيدالعزوزي،أيوب من سيدي ايفني،عاشور،موستيك ،محمد الهادي، الطيب كوسعيد،عبدالسلام جكلاوي،احمد اوطالب،الهلالي،واعزمو...اما أشهر المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الفريق فهم المرحوم عبدالله ديدي،محمد مستعين،العربي المجذوب،محمد الفارسي،احمد جكلاوي ..كان اللاعبون يقطعون مسافة لا تقل عن مئة متر،بين المستودع و ملعب المباراة،،الملعب من الخارج محاط بسياج من القصب،وبه مدرجات اسمنتية من جهة واحدة،بها منصة إسمنتية،مكشوفة و غير مغطاة،اما الملعب فأرضيته ترابية،شأن معظم الملاعب المغربية آنذاك، ،و لا أذكرأن ميدان التباري  يتوفر على حاجز يفصل بين اللاعبين و الجمهور، ما يفصل بين اللاعبين و المتفرجين،هم أفراد من الأمن، و القوات المساعدة..كنّا نقف امام شباك التذاكر،في انتظار من يسمح لنا بمرافقته، فالتذكرة كانت تسمح لصاحبها بإدخال شخص آخر،بشرط ان يكون صغيرا ، وحين يتعذر ذلك،كنّا نردد تلك اللازمة امام شباك التذاكر "كملي زا عافاك"، على رواد الملعب،وحينما نعجز عن جمع المبلغ،،نقنع بانتظار الربع ساعة الاخيرة،حيث يسمح لنا بالدخول،لمتابعة الأطوار الاخيرة من المقابلة..يتبع. حسن ادحجي.

قصة قصيرة

أفاق من النوم،فرك عينيه،أحس بثقل رأسه على جسده المتهالك،تثاءب،لفحته رائحة النبيذ الرخيص التي لا تزال قابعة بالغرفة،حاول أن يتبين الوقت من ساعة متصلبة على الجدار،لم ير شيئا،ظلام كثيف يغمر أرجاء الغرفة،غير أن خيطا رقيقا من الضوء ينبعث من كوة صغيرة بالباب،أشعره أن النهار طلع،اتكأ على حافة سرير مهترئ محاولا الوقوف،أحس بصداع في رأسه،كاد أن يسقط لولا اتكاؤه على الجدار، مشى بخطوات متثاقلة نحو الباب،فتحه فغمر ضوء النهار كل ارجاء الغرفة، دخل المطبخ،فتح الصنبور،فاندلق الماء البارد بين يديه،أحس برعشة تسري في كل جسده،جذب "فوطة"باهتة اللون،جفف وجهه،رفع بصره نحو مرآة ذات إطار بلاستيكي كانت معلقة على الجدار،حدق في وجهه مليا،فعكست المرآة وجها شاحبا كسته التجاعيد،و عينين غائرتين حمراوين،فتح فمه ،بدت اسنانه صفراء،لعن السجائر الرخيصة التي ظل يدخنها بشراهة، لاحظ شعيرات بيضاء في شاربه،قطب جبينه، همهم مخاطبا وجهه في المرآة :"شخت يا رجل! اوشكت نهايتك، وأنت بعد لم تحقق شيئا، لا عمل قار، لازواج،لا اولاد.."،ابتعد عن المرآة،لفحته رائحة كريهة منبعثة من زاوية المطبخ،تكومت بها قمامات ،علب سردين فارغة،و اكياس حليب تكوم عليها الذباب، و بقايا وجبة خفيفة ملفوفة،،أحس بالقرف ،من نفسه، من بيته ،من كل شيء،،بصق في تقزز،،تقدمت القطة نحوه،شرعت تتمسح به،لم يربت على ظهرها كعادته،لم يكن مزاجه رائقا،تمادت القطة في الاحتكاك به،ركلها بقوة،لاذت بالفرار و هي تصدر مواءا حادا،،شعر بالندم،بحث عنها،كانت قد اختفت،،غادر بعد أن صفق الباب خلفه بقوة..في الخارج تنفس بعمق هواء نقيا،و سار في اتجاه المقهى..

في مقهى الكلاسيكو

فتح الحاج أبواب المقهى مبكرا على غير العادة،طلب من النادل ان يسحب الطاولات و يركنها في زاوية من المقهى،و أن يعيد ترتيب الكراسي،بحيث يكون جميع الجالسين في مواجهة شاشة التلفاز العملاقة،طلب منه عدم اخراج الطاولات التي اعتاد وضعها على رصيف المقهى الذي يشرف على الشارع،جرب التلفاز،تأكد من اشتغال القنوات الناقلة لمباراة الكلاسيكو، التفت الى الواجهة الزجاجية،كان هناك اعلان عن مباراة البارسا و الريال،مع التاريخ و التوقيت،كتب الإعلان بخط رديء،استمر النادل في مسح الكراسي،و نفض الغبار عنها، لم ينس أن يعلق على يسار الشاشة شعارا كبيرا للبارسا،وعلى اليمين شعار الريال،ارضاء جماهير الطرفين،غاية سعى دائما لتحقيقها،لا يهمه أبدا المنتصر، ما يهمه أكثر هو أن تمتلئ المقهى عن آخرها، و تمتلئ الخزنة،و تعويض الكساد الذي استمر لأيام ،،الشارع خال من المارة،الوقت لا زال مبكرا عن موعد المباراة،،قبل ساعتين من انطلاق المباراة،بدأ المتفرجون من أنصار الفريقين في الوصول الى المقهى،لم يحل الجو الماطربينهم و ارتداء قمصان الناديين،،بدأ الصخب يعلو شيئا فشيئا،لا صوت يعلو فوق صوت المعركة،معركة الكلاسيكو،امتلأت كراسي المقهى بالمتفرجين،قبل ان يفتح ملعب المباراة ابوابه، قبل ساعتين من بدء المقابلة، ،كانت مدرجات الكامب نو،لاتزال خالية، و معظم الكراسي شاغرة،بدا ذلك واضحا من مراسلة لمراسل القناة من عين المكان،،امتلأ فضاء المقهى بسحب الدخان،و في غياب مرمدات السجائر،تحولت الارضية،الى مرمدة واسعة لسحق أعقاب السجائر،انطلقت الهتافات هنا في المقهى ،قبل ان تصدح بها حناجر المتفرجين هناك بالملعب،بدأت المُلاسنات بين أنصار الفريقين حتى قبل بدء المباراة،وحين أعطيت الإشارة،كانت المقهى على فوهة بركان،هتافات و تشجيعات متبادلة،شتائم متطايرة كلما ضاعت فرصة،استمرت الاستفزازات من الجانبين،كان الجميع على أعصابه،تحول الفضاء الى ساحة حرب كلامية،تشجيعات البعض،تقابل باستهجان و سخرية  البعض الآخر،اهتزت المقهى اكثر من مرة،على وقع هدف ضائع،اوفرصة سانحة للتسجيل،،حضرت الروح الرياضية في الملعب و على المدرجات هناك في الكامب نو،وغابت بين أنصار الفريقين هنا في المقهى،،انتهت المباراة هناك، تبادل اللاعبون  العناق ،والقمصان ،غادر أنصار الفريقين الملعب جنبا الى جنب،لم تحدث مناوشات،،هنا غادر رواد المقهى،من أنصار الفريقين، في جو من الصخب و الفوضى،تبادلوا الشتائم،انفلتت الأعصاب،تطورت الشتائم الى تبادل للكمات بين البعض،تطايرت الكراسي،،تحول المكان الى حلبة للملاكمة٠٠

المطعم المدرسي

كنّا في القسم،كان المعلم منشغلا بالكتابة على اللوح،فجأة دخل المدير،دخوله الى الفصل شكل دوما مصدر انزعاج و خوف لنا،دخول يتبعه توبيخ او عقاب لتلميذ أمام زملائه حتى يكون عبرة للآخرين،خاصة اذا ترصدته عينا المدير او أحد أعوانه،في ساحة المدرسة،او امام بوابتها،في حالة شغب ،او صدر عنه سلوك طائش...صاح المعلم debout،وقفنا ،ران صمت ثقيل،خفقت قلوبنا،ظللنا واقفين لثواني،نترقب ما ستكشف عنه هذه الزيارة المفاجئة،من عادته ان يمسح وجوهنا بنظراته الحادة و الصارمة،ثم فجأة يشير بأصبعه لتلميذ ما،و هو يصرخ في وجهه " أنت ،اتبعني"،أو يقول له " أنت تقدم،تعال يا رئيس العصابة.."،أمرنا،بإشارة من يده،بالجلوس،ثم قال: " جئت أخبركم بأن la cantine،سيفتتح قريبا،وسيشرع في تقديم خدماته للتلاميذ المحتاجين.."،نظرنا الى بَعضنا البعض،نبحث عن توضيح او تفسير لعرض المدير،لم يبد علينا اي فهم،لاحظ المعلم ذلك، فقال :"السيد المدير يخبركم بأن المطعم المدرسي،سيفتتح قريبا،و سيقدم وجباته لبعض التلاميذ المحتاجين.."،سرت بيننا همهمات،و تبادلنا نظرات تشي بالرضى،و الرغبة في الاستفادة،لا أحد سيرفض وجبة إضافية،خاصة في الظهيرة،بعد ساعات الصباح الطويلة،،اتفق أغلبنا على التسجيل في لوائح المستفيدين،لم نكن فقراء،لكننا لسنا أغنياء،تظاهر أغلبنا بالفقر المذقع،أو ببعد المسافة بين المدرسة و مساكننا،كنّا حريصين على اخبار رفاقنا في باقي الفصول،و حثهم على التسجيل، شكل المطعم لنا مناسبة لتناول وجبات مغايرة، لتغييرطريقة الجلوس اثناء الأكل،للتخلص من الجو الثقيل الذي يلفه الصمت والكثير من الوقارفي البيت،حيث نجلس متحلقين حول مائدة خشبية دائرية الشكل ذات قوائم أربعة،نتناول الطعام في صمت،تعلمنا أن الكلام اثناء الاكل سلوك مشين ..كان المطعم فرصة لنتحرر من الكثير من القيود اثناء الأكل، ،نجتمع على مائدة الغذاء،و نحن  نتضاحك،ونتسلى بالنظر الى بَعضنا،و نحن نلتهم صحوننا في جو من المرح..نغادر الفصول الدراسية،و نحن نتسابق للوقوف في الطابور امام بناية المطعم المدرسي، في انتظار دورنا،كنّا نتلذذ برائحة الطعام النفاذة والمنبعثة من الباب و النوافذ،لم يكن المطعم يبعد إلا مقدار خطوات عن المدرسة،نصعد عدة ادراج،ثم تلفحنا رائحة الطعام،نجد صحونا و أكوابا معدنية على مائدة مستطيلة،نجلس متقابلين،وضع يسمح لنا بالأكل ،و الحديث و الضحك،فرحة لا توصف حين تجمعنا المائدة،،أغلب الوجبات من القطاني،العدس و اللوبيا،و سردين العلب،و الحليب المجفف الممزوج بالكثير من الماء..احيانا نقوم بإفراغ محتوى الصحن داخل الخبز اللذيذ المصنوع من القمح،خبز لايشبه بأي حال خبز الشعير الذي لازمنا،ثم نغادر مسرعين حتى لاتفوتنا وجبة الغذاء في بيوتنا...

الجمعة، 24 مارس 2017

مذياع في القسم ج 2

... موقعه في القسم لم يسمح له بأية مناورة،كان يجلس في المقعد الأمامي،المقابل لمكتب الاستاذ، هذا الأخير يعتمد عليه كثيرا في تنشيط الدرس، يكلفه بتدوين بعض الشروحات او الأفكار على السبورة، ظل متوترا خلال الحصة، حاول مرارا دس يده في جيبه لتشغيل المذياع،لكنه سرعان ما يسحبها،ظل قلبه يخفق بشدة، المباراة انطلقت،و لاسبيل لمتابعة أطوارها،المذياع الصغير يرقد في جيبه بأمان،و السماعة تنساب كدودة طويلة،تحت ملابسه،لتطل باستحياء برأسها الصغيرة،من تحت كم قميصه،لاشك أن الاستاذ لاحظ توتره،و شروده الذهني، لكنه لم يتركه لحاله،لعن المقعد الذي يجلس عليه،ندم لأنه لم يختر مقعد ا في أقصى القاعة في اول عهده بالمؤسسة،،هناك سيحلو له أن يفعل ما يشاء،يلهو،يغفو قليلا خاصة في الحصة المسائية الاولى،حيث يغالب النوم،بعيدا عن أعين الاستاذ،،، ترى ما نتيجة المباراة؟المباراة مصيرية بين المغرب و نيجيريا في أديس أبابا، آخر مقابلة قبل مواجهة غينيا في الدور النهائي،،مر الوقت بطيئا،لم يتمكن من التقاط صوت المذياع،،انتهت الحصة،غادر بسرعة ،و قبل الولوج الى قاعة الرياضيات،انزوى بعيدا عن التلاميذ،شغل المذياع،محاذرا أن يراه احدهم،متلبسا بالجرم، شعر بالصدمة،و هم يستمع للواصف الرياضي،يذكر بالنتيجة،المغرب منهزم منذ مطلع الشوط الثاني بهدف لصفر،أعاد المذياع الى جيبه بعد تشغيله،هيأ السماعة،دخل الى القاعة،موقعه هذه المرة أفضل،اختاره بعناية منذ اول حصة،ظلت علاقته بالرياضيات متوترة،منذ الابتدائي،شعر بالارتياح،الاستاذ زاهد في التنقل بين الصفوف،يكتفي بالعمل مع النجباء،لم يكن نجيبا،سيتفرغ  لمتابعة المباراة، الواصف الرياضي،ينقل التفاصيل بكثير من الدقة و الأمانة،يجعلك تشاهد كل شيء عبر أُذنك،موقع الكرة،زوايا الملعب،المسافة بين اللاعب و المرمى،احوال الطقس،،وصف دقيق يمنحك شعورا بأنك تشاهد المباراة،ولا تستمع اليها،،بين الفينة و الأخرى،ينقطع الخط، ليأتي الاعتذار من المذيع،والسبب دائما من المصدر، و المصدر هو الأدغال الافريقية،حيث وسائل البث مهترئة،تتعطل لهبة ريح،أو زخة مطر،،يعود صوت الواصف الرياضي،يردد كثيرا اسماء الهزاز فرس،عسيلة،الزهراوي،الكزار،،فجأة بدأت الاعناق تشرئب نحوه،كل الأنظار باتت مصوبة في اتجاهه،لا يعرف كيف تسرب الخبرالى باقي التلاميذ،رغم كل الاحتياطات انتشر خبر المذياع في القسم انتشار النار في الهشيم، الكل يسأل عن نتيجة المباراة،صار نقطة جذب، صلة وصل بينهم،و احداث المباراة،شعر الاستاذ بأن شيئا ما غير طبيعي يحدث،لكنه لم يكلف نفسه التحري في الأمر،أسعده ذلك كثيرا، الدقائق تمر سريعة على المنتخب،توتره يزداد حدة، لكن اللاعب و الهداف احمد فرس نجح في تسجيل هدف التعادل،قبل ثمان دقائق من النهاية،غمرته الفرحة،انتقلت الفرحة الى زملائه في القسم،،المباراة تسير نحو النهاية،حين كتم صاحبنا صرخة فرحة كادت تنفجر في القسم، حين ردد الواصف الرياضي بكثير من الحماس و الانفعال" اللاعب الكزار لاعب الماص،يسجل هدف الخلاص،هدف رائع،رائع،،يكفينا الآن التعادل مع غينيا لإحراز اللقب الافريقي"، عمت الفرحة كل أرجاء القسم،،في نهاية الحصة،أحاط به زملاؤه،شعر بالزهو وهو يمدهم بالكثير من التفاصيل،،وجد صاحبنا نفسه يسير نحو مكتب الاستاذ على غير العادة،و هو الذي لم يقترب يوما من سبورة الرياضيات إلا مكرها،مد يده،صافحه بحرارة،نظر اليه الاستاذ باستغراب،غادرالقاعة منتشيا، و نظرات الاستاذ المستغربة المتسائلة تشيعه ..

مذياع في القسم ج 1

كان شغوفا بمتابعة مباريات كرة القدم،سواء التي يجريها فريق المدينة،الممارس في القسم الثالث،او المنقولة،و لم يكن يفوت أية فرصة لمشاهدة ما يبث على التليفزيون من مقابلات،كان يتسمرلساعات امام شاشة بالأبيض و الأسود من نوع "سيرًا"، Sieraاشتراها والده ،رحمة الله عليه،وشكلت حينها مفاجأة سارة،وغير متوقعة من أب محافظ ذي تربية تقليدية،كانت هدية من السماء،صندوقا سحريا عجيبا،، كان حريصا على متابعة احدى مباريات البطولة الاسبانية بتعليق إسباني،عشية السبت،و البطولة الوطنية عشية الأحد،و ملخصا مطولا لإحدى مباريات الدوري الألماني مساء الأربعاء،بتعليق عربي فصيح،كان يحفظ  النوادي،واللاعبين عن ظهر قلب،و حين يتعذر عليه مشاهدتها على التلفاز،يتابع مجرياتها عبر مذياع صغير،اقتناه بعد شهور من التوفير و الادخار،كان هذا المذياع نافذته التي يطل منها على العالم،لكن اكثر شغفه كان بمقابلات المنتخب الوطني،كان يتابعها بقلب خافق،و بأعصاب مشدودة،يفرح لانتصاراته،و يبكي حزنا و حسرة لانكساراته،يحفظ لاعبيه الكبار،و يعرف أنديتهم،و مواقع لعبهم،يردد أسماءهم الرنانة بكثير من الإعجاب و الانبهار،بدءا من حارس المرمى الهزاز،الى قلب الهجوم و هداف المنتخب احمد فرس،مرورا باللاعبين،نجاح،احرضان،الشريف،بابا،الزهراوي،الكزار،التازي،عسيلة، السميري،السماط،الظلمي،بيتشو،،كان المدرب حينها هو الروماني مارداريسكو،،تابع صاحبنا الاقصائيات،وانتصارات المنتخب المذوية،وحان موعد النهائيات التي ستنظم بإثيوبيا.انتظر صاحبنا بشوق كبير،هذا الموعد القاري الكبير،كان فرصته الذهبية لمتابعة المنتخب،بلاعبيه الكبار،في مباريات عديدة في الأدغال الاثيوبية، لكن الصدمة عقدت لسانه،حين علم ان المباريات لن تبث على التلفاز، بل عَلى امواج الأثير فقط،ابتلع الصدمة،و قنع بمتابعة البطولة عبر المذياع،غير أن صدمة أخرى،غير متوقعة،كانت في انتظاره،و أفسدت عليه فرحته، برمجة المباريات تزامنت مع مواعيد الدراسة،ولما كان التغيب عن دروس الاعدادية،متعذرا،بل مستحيلا،امام سطوة المدير و جبروته،بقامته الفارعة،و نظراته الحادة و الصارمة،كان المدير يتدبر،أمور المؤسسة بنفسه،كان يتابع كل صغيرة و كبيرة،يشرف على التغيبات،و يعالج كل إخلال بالنظام و الانضباط بصرامته المعهودة،،امام استحالة التغيب،فكر صاحبنا بإخفاء المذياع الصغير في جيبه، و ربطه بسماعة،يزحف خيطها تحت ملابسه،لتستقر في أذنه،ندت عنه ابتسامة عريضة وهو يجرب العملية بنجاح،،قرر ألا يخبر أحدا بالسر،بالفكرة الخطيرة،،في اليوم الموعود،انتابته مشاعر من الخوف و الرهبة،تخيل نفسه يقع فريسة سهلة بين يدي الاستاذ،تخيل الضرب الذي سيناله على يد المدير،،،استعاذ بالله،طرد الأفكار الشيطانية من رأسه،حمل محفظته،وقبل أن يغادر،اطمأن الى جودة البطاريات،جرب للمرة الألف،سماع المذياع عبر السماعة،بعد أن دسه في جيبه،غادر و هو يتلو بعض الادعية...يتبع.

اليانصيب

الصورة لبطاقة اليانصيب،البطاقة التي كانت تباع في المدارس الابتدائية خلال السبعينات للتلاميذ،،في البداية كانت المشاركة اختيارية،تعتمد على الدعاية و الإثارة و الاقناع من خلال تعداد الجوائز التي تنتظر الفائزين،و التأكيد على مصداقية المسابقة،،لكن العملية تحولت من طابعهاالتطوعي الاختياري ،الى عملية اجبارية،وذلك بعد فشل كل المحاولات لإقناعنا ،باقتطاع درهمين من مدخراتنا،او مدخرات أسرنا،،كانت الجوائز مغرية جدا،،سيارات من نوع  فياط،سيمكا و رونو،،دراجات نارية،و عادية،،آلات تصوير،آلات التسجيل،،وجوائز أخرى لا نعرف طبيعتها..جوائز و هدايا لم تكن تزورنا حتى في الأحلام ،،كان مبلغ المساهمة كبيرا بالقياس مع القدرة الشرائية في مطلع السبعينات،،أشياء كثيرة يمكن اقتناؤها بهذا المبلغ،،كنّا مرغمين على أداء ثمن بطاقة اليانصيب،،في انتظار السحب- الذي لم نسمع به يوما- نظل نحلم بالفوز،كانت احلامنا بلا ضفاف،،تمر الايام،ثم الأسابيع،ثم الشهور،،الى أن ننسى نهائيا أمر الياناصيب،،و لانتذكر أمر المسابقة،إلا مع بداية موسم دراسي جديد،لتتجدد الوعود،و تتجدد معها احلامنا في الفوز،،الفوز الذي لم يتحقق يوما،،ظلوا يبيعوننا الوهم،،لسنوات ظلوا يسرقون احلامنا الصغيرة..كان نصبا كبيرا علينا..

ذكريات موسم الدراس

في فصل الصيف، وبالتحديد،موسم الدرس،درس المحاصيل، من شعير وقمح،يتحول فضاء باب أكلو الفسيح الى بيادر ،حيث يتم تجميع المحاصيل بعد حصادها،في شكل أكوام عالية،كنّا نتحين فرصة غياب أصحابها، لنلهو،لنقفز فوقها،نركض باقصى سرعة تم نرتمي فوق الزرع،كما نتخذها أسرة وثيرة للنوم وطلب الراحة ، وحين يطول بقاؤها في البيدر لأيام،ومع استمرار لهونا وشغبنا،تتم تسويتها مع الأرض،،لتبدأ عملية الدرس،التي طالما انتظرناها بشغف كبير، هي فرصة،لركوب الحمير بنفس طريقة رعاة البقرحينما يمتطون خيولهم،فرصة لتجسيد احلامنا الصغيرة،في تقليد ابطال تلك الأفلام.كنا نقضي معظم اليوم في مساعدة صاحب المحصول،في عملية الدرس،مع ما تتطلبه العملية من لف و دوران، خلف مجموعة من الحمير، و وسط عاصفة من الغبار الذي تثيره الحمير بحوافرها المصفحة،،كانت اقدامنا تغوص في كومة الشعير او القمح الى حد الركب،ما يعيق حركتنا.. كثيرا ما اختلط الغبار برائحة روث الحمير،و بولها ، ما يخنق أنفاسنا،،كان عملا شاقا و ممتعا في آن،نتحمّل ذاك الجهد و العناءتحت أشعة الشمس المحرقة، من أجل السماح لنا بركوب الحميرفي المساء، و التسابق بها،لردها لأصحابها في الأحياء المجاورة،،كانت العملية تتم بشكل تضامني بين الفلاحين،شأن جل الأعمال الفلاحية،من حرث،و حصاد،و درس،و تدرية،فيما يسمى "تيويزي"،كنّا نمتطي الحمير،و نحثها على الركض،رغم الإعياء الشديد الذي يصيبها بعد يوم شاق، كنا نفعل ذلك ونحن نقلد أصوات الهنود الحمر، او أصوات طلقات الرصاص ،، بعدها نعود فرحين،ثم نتحول الى حنفية الحي،هناك نغتسل،و ننفض عنا الغبار، ونتسلل خفية الى البيت،في انتظار اشراقة شمس يوم جديد..

قصتي مع القراءة

في هذا النص السردي، من ذاكرة الطفولة و المراهقة،و ذكرياتها،سأتحدث عن علاقتي بالقراءة، والمطالعة الحرة،،ربما ما سأحكيه،لا يخصني لوحدي،بل يمتد ليعبر عن جيل بكامله،جيل نشأ في خضم الخصاص و الحاجة،جيل لم يولد و في فمه ملعقة من ذهب،،علاقتي بالقراءة ولدت مع اول احتكاك بنصوص سلسلة "اقرأ" المدرسية للراحل أحمد بوكماخ،نصوص وجدت فيها،كما وجد فيها غيري بكل تأكيد، لذة و متعة و تشويقا، كانت نصوصا سردية جميلة،مقتبسةاو مترجمة من اعمال روائية لروائيين عالميين كبار،،نصوص سردية بلغة بسيطة محببة،مع صور توضيحية مصاحبة، تغذي خيالنا،و تحلق بنا نحو عوالم وآفاق أوسع،،وجدتني أحفظ بعضا من تلك النصوص،أحيانا بطلب من المعلمين،وأحيانا بدافع ذاتي محض، لقتل الفراغ،،لم يكن في البيت بعد تلفاز،وحتى حينما دخل بيتنا ،لم يكن حظنا منه يتعدى نصف ساعة من الرسوم المتحركة،بعد افتتاح الإرسال ،، هذه النصوص كانت الشرارة الاولى التي خلقت في نفسي شغفا لا حد له بالقراءة،و تعطشا للبحث عن المزيد،،كان المعلمون يحثوننا على القراءة،دون تمكيننا من المقروء،،لم تكن بالمدرسة (الحسن الاول )مكتبة ،ولا قاعة للمطالعة،، في البيت نفس الحال،،مدينتي بها ثلاث مكتبات  لبيع الكتب،غير أن ما تعرضه،لا يتعدى الكتب المدرسية، و الكثير من الكتب المجلدة الضخمة،كتب في الغالب فقهية،أو أدبية تراثية،كانت تملأ الرفوف لتلامس السقف، ولم تكن أبدا تثير فضولنا،بل كانت ترعبنا بأحجامها، وأوراقها الصفراء ذات الرائحة النفاذة،،أحيانا تجذبنا بعض الكتب و الروايات المعروضة خلف الواجهات الزجاجية للمكتبة، مكتبة سي الحنفي تحديدا،نقف أمامها حيارى،نتأملها لبعض الوقت،نستمتع بالنظر اليها،وهي تعرض مفاتنها، لكن جيوبنا المثقوبة دوما،تنآى بِنَا بعيدا،فنشيح بأبصارنا ثم نواصل المسير بعد أن نترك بصماتنا على الواجهة الزجاجية، نبتعد وفي أعماقنا غصة،،علاقتنا بالمكتبة تبدأ و تنتهي مع الدخول المدرسي،حين نحمل ورقة اللوازم المدرسية في أول أكتوبر من كل سنة،و نحاول الولوج الى المكتبة ،وسط تدافع و ازدحام شديدين،تدافع لا يختلف كثيرا عما يقع أمام بوابة السينما..ظل الحصول على كتاب تثقيفي جديد من المكتبة،حلما بعيد المنال،،كانت حلويات "لمگانة" بأحجامها الدائرية،الكبيرة و الصغيرة،و حلوى "جبان كل وبان"و" طايب وهاري"٠٠كانت تستنزف ما تجمع لدينا من قطع نقدية، في الغالب،من فئة 5فرنكات،و10فرنكات و 20 فرنكات،، هذه الثروة الصغيرة لم تكن تسمح بغير ذلك،،غير أنه حدث ذات يوم،ما شدني بقوة لعالم القراءة،و غير نظرتي لعالم الكتب،،كنت أمشي في الطريق،لأجد بائعا للكتب ،يفترش الأرض،ناشرا بعض الكتب على الاسفلت، كانت كتبا قديمة و مستعملة،روايات لنجيب محفوظ،،قصص تاريخية لجورجي زيدان،روايات عالمية مترجمة،خاصة من الادب الروسي و الإنجليزي،،روايات دوستويفسكي ،ماكسيم غوركي،تولستوي ،تشارلز دايكنز،و بؤساء فيكتور  هيگو،،قصص صغيرة للأطفال،قصص محمد عطية الابراشي تحديدا،مجلات ثقافية و أدبية  قادمة من الشرق،خاصة من مصر و العراق،، كتيبات دينية،صور عملاقة للاعبي كرة القدم..مكتبة في الهواء الطلق،،مكتبة مفتوحة على السماء،،شعرت كما لو أنني عثرت على كنز ثمين،غمرتني الفرحة و أنا اتصفح الكتب،وأقلب صفحاتها،هذه المرة دون حاجز زجاجي ،،أمضيت وقتا طويلا أقرأ العناوين،استمتع بالنظر الى الصور،،شدتني اكثر قصص الابراشي،،عدت مهرولا الى البيت،،الححت في طلب النقود،تذرعت بشراء أدوات مدرسية،،عدت الى البيت بالغنيمة،عدت و أنا أحمل قصتين من قصص عطية الابراشي،،وجدت لذة و متعة و أنا التهم القصتين في وقت وجيز،،قرأتها،أعدت قراءتها،،تكرر ترددي على البائع، كان هدية من السماء،،اقتنيت المزيد من قصص الابراشي المشوقة،،بعد تحسن لغتي العربية،انتقلت لاقتناء روايات جورجي زيدان، كانت قصصا تاريخية مثيرة،،كان المؤلف ذكيا،،بموازاة سرد احداث تاريخية،كان يسرد قصة حب بين عاشقين،،كان يجعلك تقرأ التاريخ الإسلامي،دون أن تشعر بالملل او الضجر،،أما نجيب محفوظ فقراءته متعة واثارة، يجول بك في حارات القاهرة،و مقاهيها،من زقاق المدق الى خان الخليلي،و من السيدة زينب الى مقهى الفيشاوي،،رحلة مع شخصيات مأزومة،منكسرة في الغالب ،،أما الرواية المغربية فجاء اكتشافها متأخرا،كانت البداية مع " الطيبون"لربيع مبارك،و"دفنا الماضي"،و "المعلم علي" لعبدالكريم غلاب،،روايات تعرفنا عليها بفضل برمجتها في المقررات الدراسية خاصة في مرحلة الثانوي..تلك  كانت البداية،بداية رحلة طويلة بصحبة الكتب ،كانت الرحلة - ولاتزال-رفقة الكتاب،رحلة ممتعة و شيقة..

علي بلحسين أو حائط الموت

لا شك أن أبناء جيلي سيتذكرون بطلا رياضيا أنجبته مدينة تيزنيت من المعدر الكبير تحديدا،بطل ارتبط اسمه بالمغامرة الخطرة،اقترن اسمه بحائط الموت،،بلا شك تذكرون علي بن الحسين،و سيرك "حائط الموت"،او "أغراب لموت " بالأمازيغية،،السيرك الذي يزور المدينة لتقديم عروضه الرائعة و الخطرة،اعتاد هذا السيرك تقديم عروضه في تيزنيت،في الموگار ماء العينين،او سيدي عبد الرحمان،تسبق عروضه دعاية كبيرة، يشكل حضوره حدثا في المدينة،في مدينة لاتقدم الفرجة لابنائها الا في المواسم الدينية/الصيفية،والذي يساهم في إضفاء هذه الهالة العجيبة على الحدث،كون بطله من أبناء تيزنيت،،بطل تحدى الموت،،تقدم العروض في حلبة دائرية الشكل،و على جدار خشبي شاهق ،بينما نتخذ نحن –المتفرجين- مكاننا في اعلى الحلبة،نصعد اليها بسلالم خشبية مشدودة بحبال،،كانت العروض قوية،،دوران سريع على دراجة نارية،مصحوبة بحركات بهلوانية خطرة،،بسرعة فائقة،و وسط ضجيج صاخب من محرك الدراجة،،كانت الجدران الخشبية تهتز كلما مر البطل قريبا منا،،يشعرنا اهتزاز الجدران  بمتعة شبيهة بمتعة اللهو بأرجوحة،،نتابع العروض بانبهار شديد،،نتابع و نحن نضع أيدينا على قلوبنا مخافة سقوط بطلنا،، تقاطع العروض بتصفيق حاد،،معلق الحلبة ، ومن خلال مكبر الصوت،يضفي على العرض أجواء حماسية،،كنّا نشعر بالافتخار و الكبرياء حين يردد المعلق:شجعوا بطلكم علي بن الحسين، شجعوا ابن مدينتكم..كان ذلك كفيلا باثارة حماسنا،للتشجيع..يمر العرض سريعا،،ربما اقل من عشر دقائق،،لنغادر الحلبة،،ليدخل متفرجون جدد،، ولعدم قدرتنا على اقتناء تذكرة جديدة،لمعاودة مشاهدة العرض،نظل متسمرين خارج الحلبة،،نتابع العرض من الخارج،،نتابع اهتزاز الجدران الخشبية الدائرية،،ننصت لهدير محرك الدراجة النارية الصاخب ،،تتواصل العروض طيلة اليوم.وتستمر الفرجة لأيام دون انقطاع سيل المتفرجين..علي بن الحسين هذا البطل و المغامر،هو مؤسس هذه الرياضة، وعلى يديه تتلمذ الكثيرون،الذين يجوبون اليوم المدن المغربية لتقديم عروضهم،،و أنا ابحث في مصير هذا البطل الأسطوري ،اكتشفت تضاربا في الآراء و الروايات،هناك من يذهب الى أنه لقي مصرعه و هو يؤدي احدى عروضه الخطرة بالسيرك في منتصف التسعينات،،و هناك من يشير الى أنه توفي قبل ست سنوات بالدار البيضاءعن عمر يناهز السبعين سنة،،توفي دون أن يحظى بأي التفاتة او تكريم،لا من مدينته التي ارتبط اسمه بها،و أعطاها إشعاعا وطنيا بل دوليا،و لا على الصعيد الوطني..علي بن الحسين بصم طفولتنا،و ألهب حماسنا بمغامراته الخطرة،،رحمة الله عليه..