الجمعة، 24 مارس 2017

قصتي مع القراءة

في هذا النص السردي، من ذاكرة الطفولة و المراهقة،و ذكرياتها،سأتحدث عن علاقتي بالقراءة، والمطالعة الحرة،،ربما ما سأحكيه،لا يخصني لوحدي،بل يمتد ليعبر عن جيل بكامله،جيل نشأ في خضم الخصاص و الحاجة،جيل لم يولد و في فمه ملعقة من ذهب،،علاقتي بالقراءة ولدت مع اول احتكاك بنصوص سلسلة "اقرأ" المدرسية للراحل أحمد بوكماخ،نصوص وجدت فيها،كما وجد فيها غيري بكل تأكيد، لذة و متعة و تشويقا، كانت نصوصا سردية جميلة،مقتبسةاو مترجمة من اعمال روائية لروائيين عالميين كبار،،نصوص سردية بلغة بسيطة محببة،مع صور توضيحية مصاحبة، تغذي خيالنا،و تحلق بنا نحو عوالم وآفاق أوسع،،وجدتني أحفظ بعضا من تلك النصوص،أحيانا بطلب من المعلمين،وأحيانا بدافع ذاتي محض، لقتل الفراغ،،لم يكن في البيت بعد تلفاز،وحتى حينما دخل بيتنا ،لم يكن حظنا منه يتعدى نصف ساعة من الرسوم المتحركة،بعد افتتاح الإرسال ،، هذه النصوص كانت الشرارة الاولى التي خلقت في نفسي شغفا لا حد له بالقراءة،و تعطشا للبحث عن المزيد،،كان المعلمون يحثوننا على القراءة،دون تمكيننا من المقروء،،لم تكن بالمدرسة (الحسن الاول )مكتبة ،ولا قاعة للمطالعة،، في البيت نفس الحال،،مدينتي بها ثلاث مكتبات  لبيع الكتب،غير أن ما تعرضه،لا يتعدى الكتب المدرسية، و الكثير من الكتب المجلدة الضخمة،كتب في الغالب فقهية،أو أدبية تراثية،كانت تملأ الرفوف لتلامس السقف، ولم تكن أبدا تثير فضولنا،بل كانت ترعبنا بأحجامها، وأوراقها الصفراء ذات الرائحة النفاذة،،أحيانا تجذبنا بعض الكتب و الروايات المعروضة خلف الواجهات الزجاجية للمكتبة، مكتبة سي الحنفي تحديدا،نقف أمامها حيارى،نتأملها لبعض الوقت،نستمتع بالنظر اليها،وهي تعرض مفاتنها، لكن جيوبنا المثقوبة دوما،تنآى بِنَا بعيدا،فنشيح بأبصارنا ثم نواصل المسير بعد أن نترك بصماتنا على الواجهة الزجاجية، نبتعد وفي أعماقنا غصة،،علاقتنا بالمكتبة تبدأ و تنتهي مع الدخول المدرسي،حين نحمل ورقة اللوازم المدرسية في أول أكتوبر من كل سنة،و نحاول الولوج الى المكتبة ،وسط تدافع و ازدحام شديدين،تدافع لا يختلف كثيرا عما يقع أمام بوابة السينما..ظل الحصول على كتاب تثقيفي جديد من المكتبة،حلما بعيد المنال،،كانت حلويات "لمگانة" بأحجامها الدائرية،الكبيرة و الصغيرة،و حلوى "جبان كل وبان"و" طايب وهاري"٠٠كانت تستنزف ما تجمع لدينا من قطع نقدية، في الغالب،من فئة 5فرنكات،و10فرنكات و 20 فرنكات،، هذه الثروة الصغيرة لم تكن تسمح بغير ذلك،،غير أنه حدث ذات يوم،ما شدني بقوة لعالم القراءة،و غير نظرتي لعالم الكتب،،كنت أمشي في الطريق،لأجد بائعا للكتب ،يفترش الأرض،ناشرا بعض الكتب على الاسفلت، كانت كتبا قديمة و مستعملة،روايات لنجيب محفوظ،،قصص تاريخية لجورجي زيدان،روايات عالمية مترجمة،خاصة من الادب الروسي و الإنجليزي،،روايات دوستويفسكي ،ماكسيم غوركي،تولستوي ،تشارلز دايكنز،و بؤساء فيكتور  هيگو،،قصص صغيرة للأطفال،قصص محمد عطية الابراشي تحديدا،مجلات ثقافية و أدبية  قادمة من الشرق،خاصة من مصر و العراق،، كتيبات دينية،صور عملاقة للاعبي كرة القدم..مكتبة في الهواء الطلق،،مكتبة مفتوحة على السماء،،شعرت كما لو أنني عثرت على كنز ثمين،غمرتني الفرحة و أنا اتصفح الكتب،وأقلب صفحاتها،هذه المرة دون حاجز زجاجي ،،أمضيت وقتا طويلا أقرأ العناوين،استمتع بالنظر الى الصور،،شدتني اكثر قصص الابراشي،،عدت مهرولا الى البيت،،الححت في طلب النقود،تذرعت بشراء أدوات مدرسية،،عدت الى البيت بالغنيمة،عدت و أنا أحمل قصتين من قصص عطية الابراشي،،وجدت لذة و متعة و أنا التهم القصتين في وقت وجيز،،قرأتها،أعدت قراءتها،،تكرر ترددي على البائع، كان هدية من السماء،،اقتنيت المزيد من قصص الابراشي المشوقة،،بعد تحسن لغتي العربية،انتقلت لاقتناء روايات جورجي زيدان، كانت قصصا تاريخية مثيرة،،كان المؤلف ذكيا،،بموازاة سرد احداث تاريخية،كان يسرد قصة حب بين عاشقين،،كان يجعلك تقرأ التاريخ الإسلامي،دون أن تشعر بالملل او الضجر،،أما نجيب محفوظ فقراءته متعة واثارة، يجول بك في حارات القاهرة،و مقاهيها،من زقاق المدق الى خان الخليلي،و من السيدة زينب الى مقهى الفيشاوي،،رحلة مع شخصيات مأزومة،منكسرة في الغالب ،،أما الرواية المغربية فجاء اكتشافها متأخرا،كانت البداية مع " الطيبون"لربيع مبارك،و"دفنا الماضي"،و "المعلم علي" لعبدالكريم غلاب،،روايات تعرفنا عليها بفضل برمجتها في المقررات الدراسية خاصة في مرحلة الثانوي..تلك  كانت البداية،بداية رحلة طويلة بصحبة الكتب ،كانت الرحلة - ولاتزال-رفقة الكتاب،رحلة ممتعة و شيقة..

ليست هناك تعليقات: